رسالة المدونة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرحباً بكم في مدونتي الخاصة والتي تعنى ببحوثي وخواطري ، آمل أن تجدوا فيها ما يفيدكم ويسعدكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخوكم / جبر البجالي




الثلاثاء، 6 سبتمبر 2016

التعارض والترجيح وموقف العلماء منهما ؛ بحث صفي في مادة أصول الفقه في مرحلة الماجستير .


  المملكة العربية السعودية

       وزارة التعليم العالي

جامعة أم القرى ـ كلية الشريعة
 قسم الدراسات العليا الشرعية
          شعبة الفقه
العام الدراسي1424-1425هـ
 
 
 

      التعارض والترجيح وموقف العلماء منهما

 

        بحث صفي في مادة أصول الفقه

 

                     لمعالي الأستاذ الدكتور  

                       محمد بكر إسماعيل

       الأستاذ في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى

 
 
 
                                                               إعداد الطالب / جبر بن عطيه البجالي
 
 


بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمـة

الحمد الله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه      وبعد

فإنه من نعم الله علينا أن وفقنا لطب العلم الشرعي وجعلنا من المنتسبين ونسأله – عزوجل - أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ولما كان نصيبي من البحوث التكميلية لمادة أصول الفقه التي كلفنا بها مدرس المادة سعادة الأستاذ الدكتور / محمد بكر إسماعيل - حفظه الله-  ( التعارض والترجيح وموقف العلماء منهما ) وقد اطلعت على مجموعة من كتب الأصول العامة والمتخصصة ، فوجدت كلاماً كثيراً بين مقل ومستكثر ، تحتمع في أشياء وتختلف في أشياء ؛ ومن أجمع ماوجدت – ولاسيما في ترجيح العلل– شرح مختصر الروضة للطوفي ومذكرة الشنقيطي؛ ولذلك ركزت عليها كثيراً .

وقد استفدت أيضاً من الروضة وحواشيها لابن بدران ، وشعبان إسماعيل ، والنملة، كذلك المستصفى للغزالي، والبرهان للجويني والإحكام للآمدي ، وأصول الفقه للبرديسي ، وأصول الفقه لعبدالكريم زيدان ، أصول مذهب الأمام أحمد  للتركي ، والمهذب للنملة ، التعارض والترجيح ، لعبداللطيف البرزنجي .  

كما استفدت عن طريق الحاسب الآلي من البحر المحيط للزركشي ، والإبهاج للسبكي ، وإرشاد الفحول للشوكاني.

كما استفدت في التعريفات اللغوية من تاج العروس ، والقاموس المحيط .

وقد اكتفيت ببعضها عن بعض في النقل لكونها أشمل أو أوضح في العبير أو أقرب إلى فهمي والله أعلم بالصواب فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمن نفسي والشيطان  .

خطة البحث

قد قسمت البحث إلى فصلين في الأول مبحثين وفي الثاني ثلاثة مباح على النحو التالي:

الفصل الأول : تعريف التعارض والترجيح وموقف العلماء من كل منهما وفيه مبحثان:

المبحث الأول: تعريف التعارض لغة واصطلاحاً وموقف العلماء منه .

المبحث الثاني : تعريف الترجيح لغة واصطلاحاً وموقف العلماء منه .  

الفصل الثاني : في المرجحات وفي ثلاثة مباحث :

المبحث الأول: في ترجيح الأدلة النقلية – سواء من جهة السند أو المتن أو القرينة– مع الأمثلة والتعليل إن وجدت .

المبحث الثاني: في ترجيح الأقيسة وأمثلتها وتعليلاتها إن وجدت .

المبحث الثالث: في ترجيح العلل وأمثلتها وتعليلاتها أن وجدت .

وبالله التوفيق ومنه العون واسداد :


الفصل الأول: التعارض والترجيح وموقف العلماء من كل منهما فيه مبحثان:

المبحث الأول: تعريف التعارض وموقف العلماء منه :

أولاً: تعريف التعارض لغة واصطلاحاً:

التعارض في اللغة : التمانع ، ومنه تعارض البينات ؛ لأن كل واحدة تعترض الأخرى وتمنع من نفوذها. ([1]) .

والتمانع : التفاعل الدال على المشاركة بين اثنين فأكثر ، وهو: أن يمنع أحد الدليلين مقتضى الدليل الآخر . ([2])

وقال الكاساني : التعارض : المقابلة على سبيل الممانعة . ([3])

وفي اصطلاح الأصوليين: تقابل الدليلين على سبيل الممانعة . ([4]) .

وقيل: تقابل الدليلين بحيث يقتضي كل واحد منهما في وقت واحد حكماً في الواقعة يخالف مايقتضية الدليل الآخر ، مثاله قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً }([5])

وقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } ([6])    

فقد أفادت الآية الأولى أن عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة آيام من غير تفريق بين الحامل وغيرها ، وأفادت الآية التانية أن عدتها بوضع حملها ، فذهب عبد الله بن مسعود t إلى الثانية متأخرة في النزول ، فتكون ناسخة للأولى بالنسبة للحامل ، فتعتد بضع الحمل ([7]) ، بهذا يزول التعارض .

وعرفه ابن قدامة بأنه : التناقض . 

والذي فهمته من هذا التعريف أن كل واحد من الدليلين ينقض الحكم المستفاد من الدليل الآخر حتى يسقط كل واحد منهما الآخر .

وكأنه عرفه بمايؤل إليه وهو التناقض . ولم أجد في شروح الروضة وحواشيها من شرح هذا التعريف .

وقيل: هو التمانع بين الأدلة الشرعية مطلقاً ، بحيث يقتضي أحدهما عدم مايقتضيه الآخر. وارتضاه صاحب التعارض والترجيح . ([8])

ثانياً: موقف العلماء من التعارض :

اختلف العلماء من الأصوليين والمحدثين والفقهاء في وقوع التعارض بين الأدلة الشرعية على مذاهب أهمها :

المذهب الأول : مذهب جمهور الأصوليين ومنهم الأئمة الأربعة، وجمهور المحدثين ، ذهبوا إلى أنه لايوجد تعارض بين الأدلة الشرعية العقلية أو النقلية ، القطعية أو الظنية في الواقع .

قال الشافعي: لايصح عن النبيr حديثان صحيحان متضادان ينفي أحدهما مايثبته الآخر من غير جهة الخصوص والعموم والإجمال والتفصيل إلا على وجه النسخ.([9])

        وقال ابن قدامة: لايجوز ذلك في خبرين ؛ لأن خبر الله تعالى ورسوله r : لايكون كذباً ، فإن وجد ذلك في حكمين : فإما أن يكون أحدهما كذباً من الراوي ، أو يمكن الجمع بينهما بالتنزيل على حالين أو زمانين ، أو يكون أحدهما منسوخاً .

فإن لم يمكن الجمع ولامعرفة الناسخ رجحنا فأخذنا الأقوى في أنفسنا . ([10])

والمذهب الثاني: مذهب المصوبة وبعض فقهاء الشافعية  ذهبوا إلى جواز التعارض مطلقاً سواء كانت الأدلة علقية أو نقلية ، وسواء كانت قطعية أو ظنية .

قال صاحب القوانين المحكمة : والحاصل أنه لاريب ولاشك في وجود التعارض بين الأدلة الفقهية . ([11])

المذهب الثالث: مذهب جماعة من فقهاء الشافعية ذهبوا إلى جواز التعارض بين الأمارات وعدم جواز ذلك بين الأدلة القاطعة . ( [12])

الراجح والله أعلم أنه مذهب الجمهور وهو عدم جواز قوقع التعارض الحقيقي في النصوص الشرعية القطعية .

        وقد ذكر العلماء : أن التعارض لايقع إلا بشروض أربعة

1-أن يكون محلهما واحد ، فإن اختلف فلا تعارض .

2-اتحاد الوقت فإن اختلف الوقت فلا تعارض ؛ لأنه يجوز إجتماع الحكمين المتعارضين في محل واحد في وقتين مختلفين كالخمر في أول الإسلام كان حلالاً ، ثم حرم بعد ذلك .

3-أن يكون الحكمان المثبتان من بالنصين متضادين كالحل والحرمة ، لأنه إذا لم يكن تضاد فلا تعارض .

4- اتحاد النسبة ، لأنه يجوز اجتماع الضدين في محل واحد في وقت واحد بالنسبة إلى شخصين كالحل في الزوجة بالنسبة إلى الزوج والحرمة بالنسبة  إلى غيره وهذا لايسمى تعارض ([13]) .

قال التركي : التعارض هو استواء الأمارتين وتقابلهما ([14]) .

وقال: قد اتفق العلماء على أنه لايمكن التعارض بين دليلين قطعيين سواء أكانا عقليين أم نقليين ولابين قطعي وظني، وإنمايتعارض الظنيان، وعند ذلك يلجأ المجتهد لوسائل الترجيح وطرقه ([15]) .

وقد اختلف أهل العلم – رحمهم الله – في تقديم الجمع على الترجيح والعكس عند وجود التعارض أو توهمه على مذاهب أهما مذهبين:

المذهب الأول: مذهب الجمهور : أنه يقدم الجمع بين الدليلين المتعارضين ، بأي نوع من أنواع الجمع، فإن تعذر ذلك فإنه يرجح أحدهما على  الآخر بأي وجه من أوجه الترجيح، فإن تعذر فإنه ينظر في تاريخ ورودهما ليكون المتأخر ناسخ للمتقدم ، فإن تعذر فإنه يحكم بسقوط الدليلين ويرجع إلى البراءة الأصلية .

المذهب الثاني : مذهب الحنفية ، أنه يقدم الترجيح على الجمع ،فينظر المجتهد في تاريخ ورود هما فإن علم ذلك كان المتأخر ناسخ للمتقدم ، فإن تعذر ذلك فإنه يرجح أحدهما بأي وجه من أوجه الترجيح ، فإن تغذر ذلك جمع بينهما إن أمكن ؛ لأن إعمال الدليلين اللذين لامرحج لأحدهما أولى من إهمالهما ، فإن تعذر ذلك ترك العمل بهما وعدل إلى مادونهما في الرتبة . ([16])

أدلة المذهب الأول:

1-             أن الدليلين المتعارضين قد ثبتا ويمكن استعمالهما معاً وبناء أحدهما على الآخر .

2-             أنه قد ورد تقديم الجمع بين الدليلين عن ابن عباس tما في قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ}([17]) وقوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ } ([18])  فقال: لايسألهم ربهم هل عملتم كذ وكذا ، لأنه أعلم بذلك منهم ، ولكن يسألهم : لِمَ عملتم كذا وكذا .

3-  أن الجمع بين الدليلين المتعارضين ويؤدي إلى توافقهما، وإعمالهما جميعاً ؛ وإعمال الدليلين أولى من إهمالهما أو إهمال أحدهما .

أدلة المذهب الثاني:

1-    أن الصحابة – tم -كانوا إذا أشكل عليهم حديثان ، فإنهم يلجأون إلى الترجيح؛ فقد رجحوا حديث عائشة ـ tا -  (( إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل )) ، على حديث (( إنما الماء من الماء )) .

2-    أن العقلاء قد اتفقوا على أنه عند التعارض يقدم الراجح على المرجوح ، وامتناع المرجوح أو مساواته بالراجح .

والراجح : والله أعلم أنه ماذهب إلى الجمهور من تقديم الجمع على الترجيح ؛ فيه إمال للدليلين ولاحاجة بعد ذلك للترجيح .

المبحث الثاني الترجيح وموقف العلماء منه :

أولاً: تعريف الترجيح:

الترجيح في اللغة : مأخوذ من رجح الشيئ بمعنى زاد ، يقال رجح الشيء يرجح رجوحاً إذا مالت كفته . ([19])

وقيل: هو التمييل والتغليب ، ويقال: رجح الميزان إذا مال ، ويقال: أرجح الميزان إذا أثقله حتى مال . ([20])

والترجيح في الإصطلاح: هو بيان اختصاص الدليل بمزيد قوة عن مقابله ليعمل به . ([21])

قيل:هو تقديم المجتهد لأحد الدليلين المتعارضين ؛ لما فيه من مزية معتبرة تجعل العمل به أولى من الآخر . ([22])

وعرفه الفتوحي :بأنه فعل المرجح الناظر في الدليل وهو تقديم إحدى الأمارتين الصالحتين للإفضاء إلى معرفة الحكم ، لاختصاص تلك الأمارة بقوة في الدلالة . ([23])

العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي : التقوية والثقل ، أي إظهار قوة الدليل وثقله . ([24])

ثانياً: موقف أهل العلم من الترجيح:

اختلف الفقهاء والأصوليون في جواز الترجيح بين القطعيين وعدم جوازه إلى مذهبين:

المذهب الأول: ذهب جمهور المحدثين والأصوليين، إلى عدم جواز الترجيح بين القطعيات نقلية كانت أو عقلية .

قال الإسنوي : لاترجيح في القطعيات ، إذ لاتعارض بينهما...؛لأن الترجيح متوقف على وقوع التعارض في القطعيات ، ووقوعه فيها محال . ([25])

المذهب الثاني : ذهب جماعة من الأصوليين - من الحنفية والشافعية - إلى جواز الترجيح بين الأدلة مطلقاًَ قطعية كانت أو ظنية ، نقلية أو عقلية .

يقول ابن أميرحاج: بل التحقيق جريانه _ أي الترجيح _ في القطعيين كما في الطنيين ، وأن تخصيص الظنيين دون القطعيين تحكم . ([26])

أدلة المذهب الأول : القائل بعدم جواز الترجيح بين الأدلة القطعية .

1-             أن الترجيح إنما يتحقق عند وجود التعارض في القطعيات والتعارض فيها محال .([27])

2- أن الترجيح فرع التفاوت في العلم بالشي ، والمعلوم المقطوع به لاتفاوت فيها ، فلايوجد ترجيح في القطعيات . ([28])

3- أن الترجيح تقوية ، وهي مستحيلة في الأدلة القطعية، حيث يمتنع التقوية والترجيح فيها. ([29])

أدلة المذهب الثاني : القائل بجواز الترجيح .

1-             أن التعارض جائز في القطعيات ، والترجيح مبني على جواز التعارض فيها .

2-  أن التعارض في الأذهان جائز ، وواقع ، فبناء على جواز العارض في الأذهان يجوز   الترجيح في القطعيات . ([30])

3- أن النسخ متفق على وقوعه في الأدلة ، قطعية كانت ظنية ، ولايوجد نسخ بدون تعارض فاتفاقهم على ذلك يستلزم القول بالتعارض فيها، ثم القول بالترجيح فيها.([31])

ويرى صاحب التعارض والترجيح : وجاهة رأي القائلين بوجود الترجيح بين القطعيين ؛ لأن التعارض بالمعنى الأعم لاشك في تحققه بين  القطعيين ....

ثم يقول: على أن هذا النزاع في الجواز العقلي دون وجوده وتحققه في الخارج ،فلم يوجد ولن يوجد التعارض ولا الترجيح بين الأدلة الشرعية القطعية في الواقع ونفس الأمر . ([32])

وقد اشترط أهل العلم للترجيح بين الدليلين شروطاً نجملها كمايلي:

1-             أن يتغدر الجمع بين الدليلين المتعارضين .

2-             أن يكون الدليلان ظنيين ؛ حيث لاتعارض بين القطعيات ، ولاقطعي وظني .

3-             أن يكون الدليلان متساويان في الحجية ؛ فإن تفاوتت فلايحتاج إلى الترجيح .

4-             أن يكون التعارض بين الدليلين حقيقي ؛ وذلك بتوفر شروطه .

5-             أن يكون المرجح قوياً ، بحيث يغلب على ظن المجتهد قوة أحد الدليلين .

الفصل الثاني: في المرجحات التي ترجح بها الأدلة النقلية والعقلية :

المرجحات التي ترجيح الأدلة النقلية من الكتاب والسنة والأجماع ، والعقلية من الأقيسة والعلل  ونحوها ، وذلك بإظهار ميزة في الدليل تجعل العمل به أولى من مقابله .  

المبحث الأول في ترجيح الأدلة النقلية من الكتاب والسنة :

لاخلاف بين أهل العلم في قطعية الكتاب ومتواتر السنة ، ولهذا قال أهل العلم : إن الأدلة الشرعية لاتتعارض أبداً ، وإنما يقع التعارض بينها في نظر المجتهد ، وهو ما يسمى بالتعارض الظاهري بالنسبة اللمجتهد وليس هو بتعارض حقيقي .  

وإنما يكون الترجيح بين الأخبار الظنية المتساوية في القوة ؛ بحيث يبحث المجتهد عن مزية تجعل العمل بأحد الدليلين أولى من الآخر.

 فيكون العمل فيها على النحو التالي:

أولاً : ينظر في تاريخ ورود النصين فإن علمه كان المتأخر ناسخ للأول :  

مثاله قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً}([33])  وقوله تعالى : {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}([34])  وقد جمع بينهما عبدالله بن مسعود t بأن الثانية ناسخة للأولى .

ثانياً: التوفيق بين النصين إن أمكن :

مثاله قوله تعالى : {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } ([35]) وقوله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ } ([36]) يُجمع بينهما بأن اليمين الغموس في الأولى مطلقة فتنصرف إلى العقوبة الكاملة وهي عقوبة الآخرة ، بينما المؤخذة في الثانية مقيدة بالمؤخذة الدنيوية بدليل الكفارة فيها , وبهذا يتم الجمع والتوفيق . ([37])

ثالثاً : إذا تعارض الحكم المأخوذ من نصين شرعيين قطعيين : فإنه يمكن الترجيح بينهما :

1- يرجح الحكم المأخوذ من ظاهر العبارة على المأخوذ من إشارة النص :

مثاله قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ([38]) وقوله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } ([39])  يرجح النص الأول لأن الحكم المستفاد منه بطريق العبارة والحكم الثاني بطريق الإشارة ، والعبارة مقدمة على الإشارة . ([40])

2- يرجح النص الدال على التحريم على النص الدال على الإباحة :

مثاله قوله r : (( استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه )) وأمره r : للعرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل . الأول دل على التحريم ، والثاني دل على إباحة بول مايؤكل لحمه ، ودليل التحريم مقدم على دليل الإباحة ، وبهذا أمكن الجمع والتوفيق ([41])

     3-يرجح النص على الظاهر :

مثاله قوله تعالى: بعد أن عدّد الله تعالى المحرمات من النساء قال تعالى: { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } ([42]) الأولى ظاهر يدل على إباحة الزواج بأكثر من أربع زوجاة من غير المحرمات من النساء ، والثانية نصٌ في تحريم نكاح مازاد على أربع ، فترجح الآية الثانية على الأولى ويحرم نكاح مازاد على أربع زوجاة ([43])  

   4-يرجح المفسر على النص :

مثاله قوله r : (( المستحاضة تتوضأ لكل صلاة )) ، وقوله r : في الرواية الثانية : ((المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة )) الرواية الأولى نصٌ في إيجاب الوضوء على المستحاضة لكل صلاة ولو في وقت واحد ، والثانية بينت أنه ليس عليها إلا وضوء واحد في وقت كل صلاة ولو صلت عدة صلوات فالثانية مفسرة للأولى فترجح عليها. ([44])

  5-يرجح المحكم على ماسواه من نص أو ظاهر أو مفسر :

مثاله قوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} ([45]) ، وقوله تعالى: { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً }([46])  فالآية الأولى نصٌ في إباحة أزواج النبي r : بعد موته ، والثانية محكمة في تحريم الزواج بزوجات النبي r : من بعده فيرجح  المحكم على النص فيكون الحكم حرمة نكاح زوجات النبي r : من بعده ([47]) .

رابعاً: ترجيح الأخبار المتعارضة :

وسنذكر بعض الأدلة التي ترجح على غيرها مع بعض الأمثلة والتعليل إن تيسر:-

أولاً: ترجيح الأخبار من جهة السند : 

1-             يرجح التواتر على الآحاد ؛ لقطعيته ، وعدم الخلاف فيه دون خبر الآحاد.

2- يرجح الأكثر رواةً على ماهو أقل رواةً ؛ لأن ماكثر رواته أبعد عن الخطأ .

ومنع منه بعض الحنفية ، قالوا: لايرجح بكرة الرواة كالشهادة ، فإنها لاترجح بكثرة العدد ، وأجيب عنه بأن الشهادة مبنية على التعبد بخلاف الأخبار . ([48])

3-  يرجح المسند على المرسل ؛ لأن المرسل مختلف في كونه حجة وهذا بخلاف مراسل الصحابة فإنها حجة . وإن كان من يروي من الصحابة عن الرسول r مباشرة مقدم على من يروي منهم عن صحابي آخر عن الرسول r . ([49])

4-             يرجح الخبر المرفوع إلى الرسول r  على الموقوف على الصحابي .

5-             يرجح الحديث المتصل على المنقطع ؛ لأن الإتصال صفة كمال .

6-  ترجح رواية الأعلم على غيره ، كرواية ابن مسعود على رواية أبي موسى الأشعري ؛ فإن ابن مسعود أعلم من أبي موسى ولاشك ، قال أبو موسى : لاتسألوني مادام فيكم هذا الحبر ...إلخ .

ثانياً: الترجيح من جهة المتن :

1- يرجح النص على الظاهر: لعدم إحتماله غير المراد ، والظاهر يحتمل غير المراد  إحتمالاً مرجوحاً. ([50])

2- يرجح مختلف اللفظ على متحده ؛ لأن اختلاف ألفاظه دليل على اشتهاره .

3- يرجح الخبر ذو الزيادة على غيره ؛ لاحتمال ذهول راوي الناقص .

4- يرجح الدليل المثبت للحكم على النافي له : لأن عند المثبت زيادة ممكنة وهو عدل جازم بها ، إلا أن يستند النفي إلى علم بالعدم لاعدم العدم .

المثال: اثبات بلال صلاة النبي r في الكعبة ورواية ابن عباس في نفيها .  

5-             يرجح قول الصحابي على فعله ؛ لأنه يخبر عن النبي r .

ثالثاً: الترجيح من جهة القرينة :

1-  يرجح المجرى على عمومه على المخصوص ، لأن المخصوص مختلف في بقائه حقيقة أو مجازاً ، حجةً أو غير حجة ، والباقي على عمومه لاخلاف فيه .

2-  يرجح المتلقى بالقبول من أهل العلم على من دخله النكير ، أي إذا كان أحد النصين تلقاه العلماء بالقبول ولم يلحقه إنكار من أحد منهم فهو مقدم على مالحقه الإنكار.

3-  يرجح ما عضده عموم كتاب أوسنة أو قياس شرعي أو معنى عقلي على غيره ([51])

المبحث الثاني : ترجيح الأقيسة :

أولاً: ترجيح القياس من جهة أصله :

1- يرجح القياس الثابت أصله بالإجماع على القياس الثابت أصله بالنص ؛ لعصمة الإجماع .

2- يرجح القياس الثابت حكم أصله بالقرآن أو تواتر السنة على الثابت حكم أصله بخر الآحاد .

3- يرجح القياس الثابت حكم أصله بالنص على الثابت حكم أصله بالقياس .

4- يرجح القياس المقيس على أصول أكثر على المقيس على أصول أقل . ([52])

5- يرجح القياس المقيس على أصلٍ لم يخص على المقيس على أصلٍ مخصوص .

6- يرجح العام الباقي على عمومه على المخصوص .

وبالجملة فحكم أصل القياس حكم مستند ه الذي ثبت به .

ثانياً: ترجيح القياس من جهة علته :

مثال : التعارض بين دليلين يمكن الجمع بينهما : قوله r :(( فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد )) ، وقوله r : (( لاعدوى ولاطيرة ولاهامة )) . ([53])

1- ترجح العلة المجمع عليها على المختف فيها :([54])

التعليل : لأن التعليل بالوصف المجمع عليه راجح لقوة مستنده وهو الإجماع .

المثال : لو اختلف أهل العصر الأول على قولين وأجمع أهل العصر الثاني على أحدهما تعين

كذلك لو قال أحدهما ينبغي إزالة النجاسة عن المكان قياساً على إزالة النجاسة من بدن الإنسان ، وقال الآخر ينبغي إزالة النجاسة عن المكان قياساً على غسل الإناء الذي ولغ في الكلب ، فإن الأصل الأول وهو إزالتها من البدن مجمع علي أنه معلل به ، بخلاف غسل الإناء من ولوغ الكلب فهو مختلف فيه ؛ فالشافعي يعلله بنجاسة لعاب الكلب ومالك يعلله بأنه تعبدي . 

2- ترجح العلة المنصوصة على المستنبطة : ([55])

التعليل: لأن نص الشارع أولى من اجتهاد المجتهد لعصمة النص .

المثال : إذا قال المالكي : علة الربا في البر الاقتيات والادخار ، مع علة الشافعي : علة الربا في البر الطعم ، كان علة الشافعي أرجح لموافقتها لقوله صلى الله عليه وسلم (الطعم بالطعم مثلا بمثل ) .. الحديث .

3ـ ترجح العلة التي ثبتت علتها بالتواتر على ما ثبت بالآحاد :

التعليل: لقوة التواتر كما في الأخبار . ولأن المتواتر محل إجماع والآحاد محل خلاف . ([56])  

المثال : لو علل أحدهما بعلة ثابتة بالتواتر ، والآخر علل بعلة ثابتة بخبر آحاد كان علة من علل بالتواتر أرجح لقوة التواتر وبلا خلاف قياسا على الأخبار .

4ـ ترجح العلة المناسبة على غير المناسبة والتي هي أكثر مناسبة على غيرها: 

 التعليل: لأن العقول أسرع انقياداً ، وأشد قبولاً للعلة المناسبة والتي هي أكثر مناسبة.([57])  المثال : : قوله صلى الله عليه وسلم : (كل مسكر حرام ) فالإسكار مناسب للتحريم والعقول السليمة ترك قبح الخمر بفطرتها ، ولذلك وجد من العرب من حرم الخمر على نفسه وهو قيس بن عاصم المنقري .

وكما لو اجتمع نص وقياس ، كان النص مقدماً ، فإن العقل أسرع في قبول النص من القياس .

5ـ ترجح العلة الناقلة عن حكم الأصل على المقرة عليه ، أي : المبقية عليه :

التعليل: لأن الناقلة أثبتت حكماً جديداً بخلاف المبقية على حكم الأصل . ([58])

المثال :  قوله r (هل هو إلا بضعة منك ) علة في عدم نقض الوضوء ، وقوله r (من مس ذكره فليتوضأ) علة في نقض الوضوء من مس الذكر ؛ فهذه العلة ناقلة عن الأصل فتقدم على علة عدم نقض الوضوء ، فيجب الوضوء من مس الذكر . ([59])

6ـ ترجح العلة الحاظرة على المبيحة والمسقطة للحد على الموجبة له:

اختلف فيها فرجح بها قوم إحتياطاً للحظر ونفياً للحد ؛ لأن الخطأ في نفي الحكام أسهل من الخطاً في إثباتها .

ومنع آخرون الترجيح بذلك من حيث أنهما حكمان شرعيان فيستويان ، ولأن العلل لاترجح بأحكامها . ([60])

قال محمد الأمين الشنقيطي : والأظهر عندي تقديم الحاظر على المبيح ؛ لأن ترك مباح أهون من ارتكاب الحرام ، وتقديم المقتضية لنفي الحد ؛ لأن الخلاف شبهة والحدود تدرء بالشبهات (...) مالم يقم مرجح آخر أقوى يترجح به جانب الحد .  ([61])

7ـ ترجح العلة الموجبة للعتق على النافية له :

التعليل: لشدة تشوف الشارع للحرية وترغيبه فيها. ([62])

المثال : اللقيط فإنه لايسترق لشدة تشوف الإسلام إلى الحرية ([63])

قال محمد الأمين الشنقيطي :والموجبة للحرية أرجح لشدة تشوف الشارع للحرية . ([64]) 

 8ـ ترجح العلة الأخف حكماً على التي هي أثفل :

التعليل: لأن الشريعة خفيفة سمحة مرفوع فيها الحرج .

وقيل العكس : لأن الحق ثفيل والتكاليف شافة . ([65])

قال الطوفي : وهذا كله في المنصوصتين  والمستنبطين ، أما في المنصوصة والمستنبطة فالمنسوصة واجبة التقديم بكل حال .  ([66])

وقال الشنقيطي : لايمكن الحكم مطلقاً في هذه المسألة لأن التخفيف يكون أرجح تارة والتثفيل يكون أرجح أخرى .

المثال :  النسخ يكون بالأثقل تارة ويكون بالأخف تارة  اتفاقاً. ([67])

9ـ ترجح العلة الوصفية على الاسمية :

التعليل: لأن التعليل بالوصف متفق عليه والاسمية مختلف فيها . ([68])

المثال : قوله r (لايقضي القاضي حين يقضي وهو غضبان ) لكون الغضب  مانعاً من استيفاء الفكر فيجري في الحاقن والجائع وهو أولى من التعليل بالغضب الذي ينسب الحكم  .   

10ـ ترجح العلة المردودة إلى أصل قاس عليه الشارع على غيرها :

التعليل: لأن الشارع أعلم بالأحكام ومصالحها ومفاسدها .

المثال : قياس الحج على دين الآدمي  في حديث الخثعمية (أريت لوكان على أبيك دين أكنت قاضيته ) . أولى من قياس الحج على الصلاة والصيام . ([69])  

11ـ ترجح العلة المطردة المنعكسة على مالاينعكس :

والطرد في اصطلاح الأصوليين : هو ملازمة العلة والحكم في الثبوت وقضيته ، كلما وجدت العلة وجد الحكم . ([70])

التعليل: لأنها متفق عليها ، وظن العلية فيها أغلب ، والمنتقضة مختلف فيها ، ولأن الطرد والعكس دليل على الصحة ابتداء لمافيه من غلبة الظن .

المثال : قوله تعال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فجعل علة القطع السرقة فكلما وجدت السرقة وجد القطع وكلما لم توجد السرقة لم يوجد القطع .

12ـ ترجح العلة المتعدية على القاصرة إن قلنا بصحة القاصرة :

وقد اختلف في القاصرة هل هي علة صحيحة في نفسها أم لا:

فإن قلنا ليست صحيحة لم تعارض المتعدية وإن قلنا صحيحة ففي الترجيح بها أقوال :

1ـ أنهما سواء في الحكم لا رجحان لأحدهما على الأخرى .

2ـ أن القاصرة أرجح لوجهين :

أ/ أنها مطابقة للنص في موردها ولم يجاوز تأثيرها موضع النص.

ب/ أمن صاحبها من الخطأ لأنه لايحتاج إلى التعليل بها في غير موضع النص كالمتعدية .

3ـ أن المتعدية أرجح فتقدم لكثرة فوائدها . ([71])

قال الشنقيطي : والأولى أولى فإن المتعدية متفق عليها والقاصرة مختلف فيها .

المثال: التعليل في الذهب والفضة بالوزن ، فيتعدى الحكم إلى كل موزون من حديد وصفر ونحاس ، بخلاف الثمنية فلا تتعداهما  فكان أكثر فائدة . ([72])

ومثل معضهم : بتعليل الشافعي منع الربا في البر بالطعم مع تعليل الحنفي بالكيل ، فالطعم موجود في جميع البر على كل حال من أحواله قليلا كان أو كثيراً بخلاف الكيل فلا يوجد في ملء  كف من البر فعلة الطعم عامة في جميع أفرادها .

13ـ ترجح العلة المثبتة للعموم على المخصصة له ، وقيل الخمصصة  أولى :

المثال: قوله تعالى { أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً}

فبرزت علة تقتضي إخراج المحرم والصغيرة من العموم وبرزت علة أخرى توافق العموم فالذي ينفي العموم أولى لأن العموم لمجرده حجة فلا أقل من الترجيح به

وقال قوم: المخصصة أولى لأنها عرفت ما لم يعرف العموم فأفادت والعلة المقررة للعموم لم تفد مزيدا فكانت أولى ، كالمتعدية فإنها أولى من القاصرة عند قوم وهذا ضعيف

14ـ ويقدم الحكم الشرعي على الوصف الحسي :

 التعليل: لأن القياس طريق شرعي فكان الإعتماد فيه على الأحكام الشرعية أولى . ([73])

15ـ يقدم الحكم السلبي على الثبوتي :

التعليل: لأنه أوفق للأصل إذ الأصل العدم . 

16ـ ترجح العلة المؤثر على الملائم والملائم على الغريب :

التعليل: قال الغزالي: بل فسروا شدة التأثير بوجوه ([74]) .

أولها / انعكاس العلة مع اطرادها فهي أولى من التي لا تنعكس  عند قوم إذ دوران الحكم مع عدمها ووجودها نفيا وإثباتا يدل على شدة تأثيرها كشدة الخمر إذ يزول الحكم بزوالها    

الثاني / أن تكون العلة مع كونها علة داعية إلى فعل ما

 كالشدة وهي داعية إلى الشرب المحرم لما فيها من الأطراب والسرور فهي مع تأثيرها في الحكم أثرت في تحصيل محل الحكم وهو الشرب     

الثالث / أن تكون علة ذات وصف واحد وعارضها علة ذات أوصاف وفيه خلاف : فقال قوم : الوصف الواحد أولى لأن الحكم الثابت به المخالف للنفي الأصلي أكثر فكان تأثيره أكثر فروعا فهي أكثر تأثيرا

وقال قوم : ذات الأوصاف أولى لأن الشريعة حنيفية فالباقي على النفي الأصلي أكثر .

الرابع / أن تكون إحداهما أكثر وقوعا فهي أكثر تأيرا فتكون أولى وهذا بعيد لأن تأثيرا العلة إنما يكون في محل وجودها أما حيث  لاوجود لها كيف يطلب تأثيرها .    

الخامس / علة يشهد لها أصلان أولى مما يشهد لها أصل واحد عند قوم وهذا يظهر إن كان طريق الاستنباط مختلفا وإن كان متساويا فهو ضعيف

ولا يبعد أن يقوي ظن مجتهد به وتكون كثرة الأصول ككثرة الرواة للخبر مثاله أنا إذا تنازعنا في أن يد السوم لم توجب الضمان فقال الشافعي رحمه الله علته أنه أخذ لغرض نفسه استحقاق وعداه إلى المستعير وقال الخصم بل علته أنه أخذ ليتملك فيشهد للشافعي في علته رحمه الله يد الغاصب ويد المستعير من الغاصب ولا يشهد لأبي حنيفة رحمه الله إلا يد الرهن فلا يبعد أن يغلب رجحان علة الشافعي عند مجتهد ويكون كل أصل كأنه شاهد آخر .

وكذلك الربا إذا علل بالطعم بشهد له الملح أيضا وإن علل بالقوت لم يشهد له فلا يبعد أن يكون ذلك من الترجيحات.     

17ـ يقدم الوصف المناسب على الشبهي :

التعليل:لأنه متفق عليه والمصلحة فيه ظاهرة بخلاف الشبهي . ([75])

المثال : اقتران حكم التحريم بوصف الإسكار في قوله صلى الله عليه وسلم : (كل مسكر حرام ) فالإسكار مناسب للتحريم مقترن به في النص .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


         الطالب : جـبـر بن عطيه بن فرج البجالي

فهرس الموضوعات

1- المقدمـــة :........................................................1

2- خطة البحث : /........................................................2

3- الفصل الأول : التعارض والترجيح  وموقف العلماء من كل منهما :........3

4-  المبحث الأول: تعريف التعارض وموقف العلماء منه : ....................3

5-  أولاً: تعريف التعارض لغة واصطلاحاً:...................................3

6-  ثانياً: موقف العلماء من التعارض : ......................................4

7-  مذهب الجمهور :......................................................4

8- أقوال العلماء في ذلك :..................................................4

9- مذهب المصوبة :........................................................4

10-  أقوال العلماء فيه ........................................................4

11-  المذهب الثالث: .........................................................5

12-  شروض وقوع التعارض عند الجمهور :....................................5

13-  الخلاف في تقديم الجمع على الترجيح والعكس :............................5

14-  مذهب الجمهور : .......................................................5

15-  مذهب الحنفية :..........................................................6

16-  أدلة المذهب الأول / مذهب الجمهور:.....................................6

17-  أدلة المذهب الثاني / مذهب الحنفية :.....................................,.6

18-  الترجيح :................................................................7

19-  المبحث الثاني / الترجيح وموقف العلماء منه :...............................7

20-  أولاً: تعريف لغة واصطلاحاً:..............................................7

21-  ثانياً: موقف أهل علم من الترجيح:.........................................7

22-  مذهب الجمهور :.........................................................7

23-  أقوال العلماء في ذلك :....................................................8

24-  المذهب الثاني :...........................................................8

25-  أقوال العلماء في ذلك :...................................................8

26-  أدلة المذهب الأول: ......................................................8

27-  أدلة المذهب الثاني : ......................................................8

28-  رأي صاحب كتاب التعارض والترجيح في ذلك:............................9

29-  شروط الترجيح عند الجمهور :............................................9

30-  الفصل الثاني: المرجحات : ...............................................9

31-  المبحث الأول: ترجيح الأدلة النقلية من الكتاب والسنة :....................9

32-  أولاً: النظر في تاريخ ورود النصين :......................................10

33-  ثانياً: التوفيق بين النصين إن أمكن: .......................................10

34-   ثالثاً : إذا تعارض الحكم المأخوذ من نصين شرعيين قطعيين :...............10

35-  رابعاً: ترجيح الأخبار المتعارضة :.........................................12

36-   أولاً: ترجيح الأخبار من جهة السند :....................................12

37-  ثانياً: ترجيح الأخبار من جهة المتن :......................................13

38-  ثالثاً: الترجيح من جهة القرينة ...........................................13

39-  المبحث الثالث: ترجيح الأقيسة :.........................................14

40-  لأولاً: ترجيح القياس من جهة أصله :.....................................14

41-  ثانياً: ترجيح القياس من جهة علته: .......................................14

 

وأعتذر عن الفهارس التفصيلية لضيق الوقت ومداهمة الإمتحانات .

وأخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين .




 



([1])   انظر تاج العروس (8/ 73) .
([2])   التعارض والترجيح ، عبداللطيف البرزنجي ( 15، 23) .
([3])   المصدر نفسه  (18) .
([4])   البحر المحيظ للزركشي (6/ 605) .
([5])   سورة البقرة :234 .
([6])  سورة الطلاق : 4 .
([7])   أصول الفقه للبرديسي (408).
([8])  التعارض والترجيح ( 23) .
([9])   إرشاد الفحول للشوكاني (275) .
([10])   روضة الناظر (2/ 392) .
([11])   القوانين المحكمة ( 2/ 146) انظر التعارض والترجيح (45) .
([12])   نفس المصد الثاني (45) .
([13])   أصول الفقه للبرديسي (409) ، وانظر المهذب في علم أصول الفقه المقارن للنملة (5/ 2412)  .
([14])   أصول مذهب الإمام أحمد ( 675) . 
([15])   المصدر السابق (675) .
([16])   المهذب في أصول الفقه للنملة ( 5/ 2414) .
([17])   سورة الرحمن (39) .
([18])  سورة الحجر (92) . 
([19])   القاموس المحيض ، للقيروز آبادي (1/ 453) .
([20])   المهذب في علم أصول الفقه للنملة (5/ 2423) .
([21])   البحر المحيط للزركشي (6/ 130) .
([22])   المصدر السبق  ( 5/ 2423) واختيار صاحب التعارض والترجيح ( 89) .
([23])   الكوكب المنير (425) ، انظر التعارض والترجيح (82) .
([24])  المصدر الثاني نفسه  (99) .
([25])  نهاية السول (3/ 156) ، انظر التعارض والترجيح (101) .
([26])  التقرير والتحبير (3/ 16) .
([27])  الإبهاج ( 3/ 139) .
([28])  التعارض والترجيح ( 103) .
([29])  الحاصل ، للأرموي (3/157) .
([30])   التقرير والتحبير (3/ 16) الإبهاج (3/ 143) .
 ([31])  التعارض والترجيح (106) .
([32])   التعارض والترجيح ( 111) .
([33])   سورة البقرة: 234.
([34])   سورة الطلاق : 4 .
 ([35])  سورة البقرة : 225.
([36])   سورة المائدة : 89.
 ([37])  أصول الفقه للبرديسي (411) .
([38])   سورة البقرة : 178.
([39])   سورة النساء : 93.
([40])   أصول الفقه للبرديسي (410) .
([41])   أصول الفقه للبرديسي (411) .
 ([42])   سورة النساء : 3 .
([43])  الوجيز في أصول الفقه لعبد الكريم زيدان (394) .
([44])   الوجيز في أصول الفقه لعبد الكريم زيدان (394) .
([45])   سورة النساء : 24 .
([46])  سورة الأحزاب : 53 .
([47])  الوجيز في أصول الفقه : 395 .
([48])  شرح الروضة (3/691) .
([49])  شرح الروضة (3/691) .
([50])   المصدر نفسه (3/698).
([51])   شرح مختصر الروضة ( 3/707) .
([52])  المصدر نفسه  ( 3/714) .
([53])   التعارض والترجيح (28) .
([54])  المصدر السابق  (3/719) .
([55])  المصدر نفسه .
([56])   المصدر نفسه (3/ 717) .
([57])   المصدر نفسه .
([58])  المصدر نفسه. 
([59])   المذكرة للشنقيطي  (391) .
([60])   شرح مختصر الروضة (3/ 717) .
([61])   المذكرة للشنقيطي (392) .
([62])   شرح مختصر الروضة (3/ 717) .
([63])   المصدر نفسه  (3/ 717) .
([64])   المذكرة ( 392) .
([65])   شرح مختصر الروضة (3/ 717) .
([66])   المصدر نفسه  (3/ 717) .
([67])   المذكرة (392) .
([68])   المصدر السابق  (3/ 717) .
([69])   المصدر نفسه  (3/ 718) .
([70])   المصدر نفسه  (3/ 718) .
([71])   المصدر نفسه  (3/ 719) .
([72])  المذكرة للشنقيطي (394) .
([73])   شرح مختصر الروضة (3/ 719) .
([74])   نزهة الخاطر العاطر لابن بدران  (2/ 407) .
([75])   شرح مختصر الروضة (3/ 720) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق