حكم غسل اليدين قبل إدخالهما في إناء الوضوء
وحد اليد المأمور بغسلها من رؤوس الأصابع إلى
مفصل الكوع ؛ لأن اليد المطلقة في الشرع تتناول ذلك بدليل قوله تعالى:{ والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما} (1) وإنما
تقطع يد السارق من مفصل الكوع وكذلك في التيمم يكون في اليدين إلى الكوع والدية
الواجبة في اليد تجب على من قطعها من مفصل الكوع.(2)
تحرير محل النزاع :
1ـ اتفق العلماء على سنية غسل اليدين قبل
الوضوء ، بلانزاع .
2ـ
وإنما(( النزاع في دعوى وجوبه والاستدلال عليها بحديث الاستيقاظ )) . (3)
سبب الخلاف : هو اختلافهم في مفهوم الثابت من حديث أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام
قال: (( إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن
يدخلها الإناء فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ))
متفق عليه وفي لفظ لمسلم: (( فليغسلها ثلاثا)) . (4)
فمن لم ير بين الزيادة الواردة في هذا الحديث
على ما في آية الوضوء معارضة(...) لآية الوضوء حمل لفظ الأمر ها ههنا على ظاهره من
الوجوب وجعل ذلك فرضا من فروض الوضوء [هم بعض الحنفية ] (5)
ومن فهم من هؤلاء من لفظ البيات نوم الليل أوجب
ذلك من نوم الليل فقط[وهم الحنابلة] (6)
ومن لم يفهم منه ذلك وإنما فهم منه النوم فقط
أوجب ذلك على كل مستيقظ من النوم نهارا أو ليلا [داود وأصحابه ] (7)
ومن رأى أن بين هذه الزيادة والاية تعارضا إذ
كان ظاهر الاية المقصود منه حصر فروض الوضوء كان وجه الجمع بينهما عنده أن يخرج
لفظ الأمر عن ظاهره الذي هو الوجوب إلى الندب (1)
ومن تأكد عنده هذا
الندب لمثابرته عليه الصلاة والسلام على ذلك قال إنه من جنس السنن . (2)
أقوال العلماء في
مسألة :
اختلف الفقهاء في غسل
اليد قبل إدخالها في إناء الوضوء
1ـ فذهب قوم إلى
أنه من سنن الوضوء بإطلاق وإن تيقن طهارة اليد وهو
مشهور مذهب
مالك والشافعي
2ـ وقيل إنه مستحب
للشاك في طهارة يده وهو أيضا مروي عن مالك
3ـ وقيل إن غسل اليد واجب على المنتبه من النوم وبه قال
داود وأصحابه
4ـ وفرق قوم بين نوم الليل ونوم النهار؛ فأوجبوا ذلك في نوم
الليل ولم يوجبوه
في نوم النهار
وبه قال أحمد . (3)
أما نوم النهار فإنها (( لا تختلف
الرواية[ عن أحمد ] في أنه لا يجب
غسلهما من نوم النهار )) .
وأما عند القيام من نوم الليل فإنها قد (( اختلفت الرواية في وجوبه
أ) فروي عن أحمد وجوبه وهو الظاهر عنه (...) وهو مذهب ابن عمر وأبي
هريرة والحسن البصري .
ب) وروي أن ذلك مستحب وليس بواجب وبه قال عطاء
ومالك والأوزاعي
والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وابن المنذر .
(4)
وهذه الأقوال ترجع إلى قولين مع بعض الإختلاف
اليسير فيما بينها :
القول الأول: أنه سنة مطلقاً أو
مستحبة وهو قول: الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية وأحمد في غيرالقائم من
نوم الليل وبه قال: عطاء وإسحاق وابن المنذر.
القول الثاني : أنه واجب للقائم من
النوم مطلقاً أومن نوم الليل وهوقول : ابن عمر وأبي هريرة والحسن البصري وداود
وأصحابه وهو ظاهر الرواية عن أحمد في القائم من نوم الليل .
الأدلة :
أدلة القول الأول: القائلين بإنه سنة :
1ـ
استدلوا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم: (( فإن عثمان
رضي الله عنه وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم فقال دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما ثم أدخل يده
في الأناء )) متفق عليه
(1) وكذلك وصف علي وعبد الله بن زيد
وغيرهما)) (2)
2ـ
و((
لأنها
التي تنغمس في الإناء وتنقل الوضوء إلى الأعضاء ففي غسلهما إحراز لجميع الوضوء )) . (3)
3ـ
لأن الله تعالى قال:{ إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } (4) قال زيد بن أسلم (5) في تفسيرها إذا قمتم
من نوم الليل . (6)
4ـ
ولأن القيام من النوم داخل في عموم الآية وقد أمره بالوضوء من غيرغسل الكفين في
أوله والأمر بالشيء يقتضي حصول الإجزاء به ولأنه قائم من نوم فأشبه القائم من نوم
النهار. (7)
5ـ
علل الشافعي ومن وافقه قوله صلى الله عليه
وسلم: «فإنه لا يدري أين باتت يده» بأن (( سببه أن أهل الحجاز
كانوا يقتصرون على الاستنجاء بالأحجار، وبلادهم حارة، فإذا نام أحدهم عرق فلا يأمن
النائم أن تطوف يده على المحل النجس أو على بثرة أو قملة ونحو ذلك فتتنجس )) . (8)
واستدلوا
بالقياس على الاستنثار للقائم من النوم فقد (( روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال: (( إذا
استيقظ أحدكم من منامه فليستتر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه )) متفق .
(...) لأنه قد وقع الانفاق على عدم وجوب الاستنثارعند الاستيقاظ ولم يذهب إلى
وجوبه أحد وإنما شرع لأنه يذهب ما يلصق بمجرى النفس من الأوساخ وينظفه فيكون سببا
لنشاط القارىء وطرد الشيطان )) . (1)
6ـ استدل الشافعي والجمهور بعمومه قوله صلى الله عليه وسلم (( من نومه )) فاستحبوه
عقب كل نوم . (2)
7ـ
استدل الشافغية والحنفية على أن غسل اليدين قبل الوضوء لا يجب بالحديث (( توضأ كماأمرك الله )) ولم يذكر
فيه غسل اليدين .(3)
8ـ وستدلوا بأن الله عزوجل ذكرالوضوء فبدأ فيه
بغسل الوجه (( قال
الشافعي ذكر الله عزوجل الوضوء فبدأ فيه بغسل الوجه فدل على أن الوضوء على من قام
من النوم كما ذكر الله عز وعلا دون البائل والمتغوط لأن النائم لم يحدث خلاء ولا
بولا وأحب غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء للوضوء للسنة لا للفرض )) . (4)
9ـ
حملوا النهي على الكراهة فقالوا: (( والصواب أنه يكره الغمس قبل الغسل للنهي
الصريح في هذا الحديث الصحيح، وكذا (...) نص عليه الشافعي رحمه الله (...) فقال
«فإن غمس يده قبل الغسل أو بعد الغسل مرة أو مرتين فقد أساء» )) (5)
10ـ وأما أصل غسل الكفين فسنة بلا خلاف، اتفق أصحابنا على
التصريح بذلك وتظاهرت عليه نصوص الشافعي ودلائله من الأحاديث الصحيحة )) . (6)
أدلة القول الثاني :
1ـ
استدل الموجبون: بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( إذا
استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء ثلاثا فإن أحدكم لا يدري
أين باتت يده)) متفق عليه
وفي لفظ لمسلمك )) فلا يغمس يده في وضوء حتى يغسلهما ثلاثا)) (7) وأمره يقتضي الوجوب
ونهيه يقتضي التحريم )) . (8)
2ـ أن في الخبر ما يدل على إرادة نوم الليل لقوله:
(( فإنه لا
يدري أين باتت
يده)) ، والمبيت
يكون بالليل خاصة ، ولا يصح قياس غيره عليه . (1)
3ـ أن الحكم ثبت تعبدا فلا يصح تعديته . (2)
4ـ
أن الليل مظنة النوم والاستغراق فيه وطول مدته فاحتمال إصابة يده لنجاسة
لا يشعر بها أكثر من احتمال ذلك في نوم
النهار قال أحمد في رواية الأثرم
الحديث في المبيت بالليل فأما النهار فلا بأس
به . (3)
المناقشات :
مناقشة أدلة القول الأول :
1ـ نوقش الإستدلال بالحديث بأنه (( ليس في الحديث إلا
نهي المستيقظ من نوم الليل أو مطلق النوم فهو أخص من الدعوى أعني مشروعية غسل
اليدين قبل الوضوء مطلقا فلا يصلح للاستدلال به على ذلك ونحن لا ننكر أن غسل
اليدين قبل الوضوء من السنن الثابتة بالأحاديث الصحيحة)) (4)
2ـ
كمانوقش استدلاهم بإنه قيام من نوم أشبه نوم النهار ، بأن المبيت يكون في الليل
خاصة ويصح قياس غيره عليه لوجهين:
أحدهما ـ
أن الحكم ثبت تعبدا فلا يصح تعديته .
ثانيهما ـ أن الليل
مظنة النوم والاستغراق فيه وطول مدته فاحتمال إصابة يده لنجاسة لا يشعر بها أكثر
من احتمال ذلك في نوم النهار .
3ـ
كمانوقش قول الشافعي ومن وافقه بأن أهل الحجاز كانوا يستجمرون بالأحجار بأن (( الدال على أن المقتضي للغسل التردد في
نجاسة اليد بسبب النوم لاستجمارهم بالحجر والحق به التردد بغيره ولا ينعقد الكراهة
)) . (5)
مناقشة أدلة القول الثاني:
1ـ
نوقش استدلالهم بالحديث بإنه : (( محمول على الاستحباب
لتعليله بما يقتضي ذلك وهو قوله فإنه لا يدري أين باتت يده وطريان الشك على يقين
الطهارة لا يؤثر فيها كما لو تيقين الطهارة وشك في الحديث فيدل ذلك على أنه أراد
الندب
)) (1)
2ـ كما نوقش استدلالهم بالحديث على التفريق بين
نوم الليل والنهار بأنه (( أن هذا
الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم بل المعتبر الشك في نجاسة اليد فمتى شك في
نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها سواء كان قام من نوم الليل أو النهار أو
شك ))
.
(2)
3ـ
كما نوقش بأن (( التعليل
بقوله فإنه لا يدري أين باتت يده يقضي بإلحاق نوم النهار بنوم الليل وإنما خص نوم
الليل بالذكر للغلبة )) (3)
4ـ
كما نوقش استدلال الموجبون للغسل من نوم الليل:
بأن التعليل بأمر يقتضي الشك قرينة صارفة عن الوجوب إلى الندب
وقد
دفع بأن التشكيك في العلة لا يستلزم التشكيك في الحكم وأن قوله لا يدري أين باتت
يده ليس تشكيكا في العلة بل تعليلا بالشك وأنه يستلزم ما ذكر. (4)
5ـ
ومن جملة ما اعتذر به الجمهور عن الوجوب حديث أنه صلى الله عليه وسلم توضأ من الشن
المعلق بعد قيامه من النوم ولم يرو أنه غسل يده كما ثبت في حديث ابن عباس . (5)
6ـ
كما نوقش بأنه ((صح عنه
عليه الصلاة والسلام أنه غسل يديه حال اليقظة قبل إدخالهما الإناء طاعة فالحديث
خرج مخرج العادة فلا يعمل بمفهومه)) (6)
الراجح : والله
أعلم أنه مذهب الموجبون لموافقته للحديث الصحيح ؛ لأن الحكم إن كان تعبداً فلا يصح
تعديته . وإن لم يكن تعبداً فإن النبي صلى
الله عليه وسلم علله بعلة لاتصلح إلا لنوم الليل صار المراد بالعموم في قوله: (( من نومه )) نوم الليل فهو عام أريد به الخاص (7)
ثمرة
الخلاف في المسألة : فيما إذا غمس يده في الإناء قبل غسلها:
على قول من لم يوجب غسلها لا يؤثر غمسها في
إناء الوضوء شيئا
وعلى قول من أوجبه قال:
1ـ إن كان الماء كثيرا يدفع النجاسة عن نفسه لم
يؤثر أيضا، لأنه يدفع
الخبث عن نفسه
2ـ وإن كان يسيرا فقال أحمد أعجب إلي أن يريق
الماء وقال الشافعي إن
ماست
يده نجاسة فسد الماء فأهراقه وغسل منه الإناء وتوضأ بماء غيره.
والله أعلم . وصلى
الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
الطالب/ جبر بن عطيه فرج السهمي البجالي
قأئمة المصادر
القــــــــــرآن
الكــــــريـم
1ـ
صحيح البخاري ، تأليف الإمام أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري ، ت: 256هـ .
2ـ
صحيح مسلم ، تأليف : الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ت:
261هـ .
3ـ
المجتبى من السنن المشهور بسنن النسائي ،تأليف: أبي عبدالرحمن أحمد بن شعيب بن علي
النسائي ، ت: 303هـ
4ـ الأم ، تأليف : محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد
الله ، ت: 204هـ ، دار النشر : دار المعرفة :
بيروت ، 1393هـ ، الطبعة : الثانية .
5ـ
بدية المجتهد ونهاية المقتصد ، تأليف :أبي الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد
القرطبي ت: 595هـ ، دار المعرفة : بيروت ، 1420هـ ، الطبعة : الثانية ، تحقيق:
عبدالمجيد طعمة حلبي .
6ـ حاشية على مراقي الفلاح
شرح نور الإيضاح ، تأليف: أحمد بن محمد بن إسماعيل الطحطاوي الحنفي ، ت: 1231هـ ،
دار النشر : مكتبة البابي الحلبي ،
مصر، 1318هـ ، الطبعة : الثالثة
7ـ الشرح الممتع على زاد المستقنع
،تأليف: محمد بن صالح بن عثيمين ، ت:
1422هـ ، مؤسسة آسام ، الرياض 1415هـ ، الطبعة : الثانية .
8ـ المجموع شرح المهذب ،
تأليف : محيى الدين يحي بن شرف النووي ، ت: 676 هـ ، دار النشر: دار الفكر: بيروت 1417 هـ ، الطبعة : الأولى، تحقيق :
محمود مطرحي .
9ـ
المغني ، تأليف : موفق الدين عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ، ت: 620هـ
، هجر : القاهرة ، 1412هـ ، الطبعة الثانية ، تحقيق : د. عبدالله بن عبد المحسن
التركي ود. عبدالفتاح محمد الحلو.
10ـ
مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ، تأليف : محمد الخطيب الشربيني ت:بدون ، دار النشر : دار الفكر: بيروت ، ط: بدون .
11ـ
المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية ، تأليف : الهيتمي ، ت: بدون ، دار النشر:
بدون ، بلد النشر : بدون ، الطبعة : بدون .
12ـ
نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ، تأليف : محمد بن على بن محمد الشوكاني ، ت:
1252هـ ، دار الفكر : بيروت ، ط: بدون
13ـ
المهذب في فقه الإمام الشافعي ، تأليف:
إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي ، ت: بدون ، دار النشر : دار الفكر: بيروت
، ط: بدون .
(3) ينظر نيل الأوطار ، محمد بن علي بن نحمد الشوكاني ، الناشر : دار
الفكر ، سنة النشر : 1410هـ ، ط: بدون ، ج1 ص: 170.
(4) رواه البخاري في كتاب : الوضوء ، باب :
الاستجمار وتراً 1/ 229ـ 231 . ومسلم في كتاب الطهارة
باب : كراهية غمس المتوضئ يده المشكوك في نجاستها في الإناء قبل غسلهما
ثلاثاً الحديث: 278 .
(5) بداية المجتهد ، محمد بن أحمد بن رشد القرطبي ،
دار المعرفة ـ لبنان ، ط: 2 ، 1420هـ ، ج1، ص: 34. وينظر حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح : أحمد بن محمد
بن إسماعيل الطحطاوي الحنفي ، دار النشر: مكتبة البابي الحلبي ، سنة النشر :
1318هـ ، ط 3، ص:42 .
(3) المغني ص139 .
حاشية على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح،
أحمد بن محمد بن إسماعيل الطحطاوي الحنفي ، دار النشر: مكتبة البابي
الحلبي، مصر ، 1318هـ ، ط2 ، ج1 ص: 42 .
(5) ينظر سير أعلام النبلاء 5/ 316 ؛ أبوعبد الله زيد بن أسلم
العمري مولاهم كان له حلقة للعلم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم : توفي سنة
، 136هـ .
(8) المجموع شرح المهذب ، محيى الدين بن شرف النووي ، دار الفكر ، بيروت ،
1417هـ ، ط: 1، تحقيق : محمود مطرحي،
ج1 ص:412>
(4) الأم ، محمد بن
إدريس الشافعي أبو عبد الله ، دار:
المعرفة ـ بيروت، 1393هـ ط: الثانية ، ج1
ص: 24 .
(7) الشرح الممتع على زاد
المستقنع ، محمد بن صالح بن عثيمين ،
مؤسسة آسام ، الرياض 1415هـ ، ج 1، ص 138.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق