الفقه المقارن : 352
مسألة الأولى: الزكاة
في مال الصبي والمجنون :ـ
تحرير محل النـزاع :
1ـ اتفقت المداهب على
وجوب الزكاة على الصغير والمجنون في الخارج من الأرض . [حكى الإجماع ابن عبد البر ]
2ـ وإنما اختلفوا فيما عدا ذلك كالذهب والفضة وغيرهما.
المذاهب
:
1ـ الجمهور
: قالوا : تجب الزكاة في مال الصبي والمحنون .
2ـ الحنفية
: قالوا : لاتجب الزكاة في مال الصبي والمجنون .
سبب الخلاف
: هو اختلافهم في الزكاة هل هي عبادة محضة أو حق مالي ؟
فمن قال: (هي عبادة
محضة ) لم يوجب الزكاة عليهما وهم الحنفية .
ومن قال : (حق مالي )
أي متعلق بالمال ؛ فإنه أوجب الزكاة عليهما وهم الجمهور .
الأدلة
: أولاً : أدلة الحنفية :
1ـ قوله تعالى : (خذ
من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ..) الآية.
والتطهير يعني إزالة
الذنوب ، ولاذنب على الصغير والمجنون لعدم تكليفهما فلاصدقة عليهما.
2ـ حديث رفع القلم عن
ثلاثة : وذكر منها(.. والصغير حتى يبلغ ..)
3ـ قياس الزكاة على
الصلاة والصوم بجامع العبادة في كلٍ منها
، ولمّا لم تجب الصلاة والصوم على الصغير والمجنون لم تجب عليهما الزكاة.
ثانياً : أدلة
الجمهور :
1ـ عمومات الآيات
والآحاديث الواردة في وجوب الزكاة : مثل حديث (وأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة
تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ) أوكماقال ، وكلمة (أغنيائهم ) تشمل الصغير
والمجنون كما تشملهما كلمة ( فقرائهم) .
2ـ حديث(اتَّجروا في
أموال اليتامى لئلا تأكلها الصدقة ) أوكماورد . وهذا نص في محل النـزاع . أي دليل
قطعي الدلالة في المسألة .
3ـ روي عن عمر وعائشة
وعلي وابن مسعود وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم وجوب الزكاة في ماليهما ولم يعرف
لهم مخالف فيكون إجماعاً .
المناقشات
: أولاً : مناقشة أدلة الجمهور:
الأول : قالوا : بأن
العمومات مخصصة بحديث (رفع القلم عن ثلاثة ) وسائر أدلتنا (أي أدلة الحنفية)
ويعارض إجابة الحنفية بحديث (اتجروا في أموال اليتامى ..)
الثاني : عنه
ثلاثة أجوبة :
أ/ لانسلم صحة الحديث
أي أنه ضعيف . ويعارض الجمهور هذا الجواب بأن الحديث يصح بمجموع طرقه فيقبل.
ب / سلمنا صحته إلا
أنه حديث آحاد وارد فيما تعم به البلوى فلايقبل .
عموم البلوى : هو
مايحتاج إليه جميع المسلمين ، وقال الحنفية : أنه لا يجوز لصاحب الشريعة صلى الله
عليه وسلم أن يخاطب به والآحاد.
ج / سلمنا أنه يقبل
فيما تعم به البلوى ولكن ليس فيه دليل لأن كلمة ((الصدقة)) معناها ((النفقة ))
لأنـها هي التي تأكل المال أي جميعه .
الثالث
: عنه جوابان :
أ/ بأن النقل عن
الصحابة رضي الله عنهم معارض بمثله فقد روي عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما
عدم وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون .
ب/ وحكاية الإجماع
معارضة بمثلها فقد حكى الحسن إجماع الصحابة على عدم وجوب الزكاة في مال الصبي
والمجنون .
ثانياً : مناقشة أدلة
الحنفية:
الأول
: جوابان
أ/ أن التطهير غير
مختص بإزالة الذنوب ، بل من معانيه تزكية النفوس وتربيتها وتهذيبها وحملها على
مكارم الأخلاق .
ب / سلمنا أن التطهير
مختص بإزالة الذنوب إلا أن انتفاء السبب الخاص لايعني انتفاء الحكم ؛ لأن الحكم
يثبت سبب آخر وهو سد حاجة الفقراء .
الثاني:
رفع القلم في العبادات المحضةِ ، والزكاةُ حق واجب في المال.
الثالث
: أجابوا عنه بأنه قياس مع الفارق وهو أن الصلاة والصوم عبادات محضة ، والزكاة حق
متعلق بالمال.
المسألة الثانية :
الزكاة في حليَّ المرأة :
تحرير محل النـزاع
:
1ـ اتفقوا على وجوب
الزكاة في الحلي المحرم كالذي يتخذه الرجل مثلاً .
2ـ اتفقوا أيضاً على
عدم وجوب الزكاة في حلي المرأة إذا كان من غير الذهب والفضة كالياقوت مثلاً .
3ـ اتفقوا على وجوب
الزكاة في حلي المرأة من الذهب والفضة إذا لم يكن للاستعمال بل للتجارة مثلاً .
4ـ وإنما اختلفوا في
وجوب الزكاة في حلي المرأة من الذهب والفضة إذا كان معدّ اً للاستعمال.
المذاهب
:
1ـ مذهب :المالكية
والشافعية والحنابلة ، لم يختلف قول مالك في عدم وجوب زكاة
حلي المرأة ، وأما الشافعي فقال بعدم الوجوب في القديم وبالوجوب في الجديد وقد
سُئل عن ذلك فقال أستخير الله في زكاة الحلي ، ونقل عنه أنه قال بعدم الوجوب بعد
ذلك .
وأما الحنابلة فقالوا
بعدم الوجوب .ورواية أخرى ضعيفة أنها تجب
.
2ـ مذهب : الحنفية والظاهرية : قالوا تجب
الزكاة في الحلي .
سبب الخلاف
: تردد شَبَه (الحُليّ) بين (العروض ) التي مقصودها الأول المنفعة ، وبين (الذهب
والفضة) التي مقصودها الأول المعاملة (أي كونها ثمناً) ، فمن شَبَّهه بالعروض قال
بعدم وجوب الزكاة وهم الجمهور ، ومن شَبَّهه بالنقدين قالوا بوجوب الزكاة وهم
الحنفية .
الأدلة :أولاً:
أدلة الحنفية :
1ـ عموم قوله تعالى
(والذين يكنزون الذهب والفضة ولاينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذب أليم ) توعَّدَ
الله من لايخرج زكاة الذهب والفضة بالعذاب الأليم ، والذهب والفضة يتناولان
بعمومهما الحُلي .
2ـ عموم حديث (في
الرّقة ربع العشر) والرقة هي الفضة فتشمل بعمومها الحُلي .
3ـ حديث عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده أن امرأة من اليمن أتت النبي صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها ، وفي
يد ابنتها مَسَكَتان من ذهب ، فقال لها (أتعطين زكاة هذا ؟ فقالت : لا فقال أيسرك أن يسورك الله بهما يوم
القيامة سوارين من نار ؟) قال : فخلعتهما وألقتهما وقالت : هما لله ورسوله .
4ـ حديث عائشة
قالت:دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يديَ فَتَخَات من وَرِقٍ فقال
(ماهذا ياعائشة ؟) فقلت :صنعتهنّ أتزين لك يارسول الله ،فقال: (أتؤدين زكاتهن ؟)
فقلت: لا ، قال (هو حسبك من النار) .
5ـ الآثار المروية عن
الصحابة كابن عمر وعائشة وجابر رضي الله عنهم أنهم قالوا بوجوب الزكاة في الحُلي .
ثانياً: أدلة الجمهور
:
1ـ حديث جابر أنه
عليه السلام قال (ليس في الحُلي زكاة ) وهذا نص في محل النزاع . وهذا الحديث روي
أيضاً عن أنس وابن عمر وغيرهما
2ـ مفهوم حديث : (ليس
فيما دون خمسة أواقٍ من الورق زكاة ) وحديث: (في الرّقة ربع العشر) [الرّقة والورق
:هي الدراهم المضروبة ] منطوقه إيجاب الزكاة في الدراهم المضروبة ، ومفهومة لازكاة
في غير الدراهم المضروبة .
3ـ أنه روي عن جابر
وابن عمر وأنس وابن مسعود وعائشة وأختها أسماء وأسماء بنت عميس القول بعدم وجوب
زكاة الحُلي .
4ـ قياس الحُلي على
الياقوت وغيره من الجواهر الثمينة بجامع أن كلاً معدّاً للإستعمال لا للقنية .
المناقشة :
أولاً : مناقشة أدلة الحمهور :
الأول
:عنه جوابان :
أ / أنه حديث جابر
ضعيف لأن فيه عافية بن أيوب مجهول وقد اعترف به البيهقي
ب / سلمنا صحته ولكنه
موقوف والصواب وقفه فإنه روي من طريقاً آخر موقوفاً عليه وصحح البيهقي وقفه
الثاني
: أنه مفهوم مخالفة وهو ليس حجة فهو مسكوت عنه فيبقى محتمل .
الثالث: الآثار عن الصحابة معارضة بمثلها فقد روي عن
عمر وابن مسعود وعائشة وسائر من ذكرنا القول بوجوب زكاة الحُلي.
الرابع: القياس معارض بمثله فإن الذهب والفضة أولى أن
يقاس عليها .
ثانياً: مناقشة أدلة
الحنفية :
الأول
: عنه جوابان :
أ/ بأن عمومات الآية
يخصص بحديث (ليس في الحُلي زكاة ) وسائر أدلتنا .
ب / أن الكنز ماكان
من الذهب والفضة نامياً ؛ والحُلي ليس نامي .
الثاني
: حديث (في الرقة ربع العشر ) عنه جوابان
:
أ / أنه عموماً يخصص
بأدلتنا .
ب / أن الرقة هي
المضروب من الدراهم .
الثالث: حديث عمرو بن شعيب : عنه جوابان :
أ/ أن هده الأحاديث
كانت في أول الإسلام حين كان الحُلي محرم حتى على النساء للحاجة ؛ لأن الناس كانوا
في شدة وضيق , ومعلوم أن المحرم لبسه تجب فيه الزكاة
ب / سلمنا لكنها
أحاديث ضعيفة فإن فيها عمرو بن شعيب لأنه يروي عن أبيه عن جده فهل هو جده أم جد
أبيه ، وفيه حسين بن المعلم ضعيف وفيه خلاف قال ابن حجر هو ثقة له أوهام .
ردّ مناقشة الحنفية
:
الأول
: عليه ردان :
أ/ عافية ليس مجهول
بل معروف وهو ثقة قال ابن حجر لاأعلم أحداً طعن فيه .
ب / مردّ الوقف
لايقبل عند المحدثين فإنه إذا تعارضا قُدم الأقوى ، والمرفوع أقوى .
الثاني: مفهوم المخالفة
الثالث
: الآثار ليست ضعيفة بل هي صحيحة .
الرابع
: في شمول عموم في الرّقة تشمل الحُلي ؛ والصحيح أنه لايشملها فإن أهل اللغة
يطلقون الرقة والورق يختصان بالمضروبة فقط فلا تؤيدهم اللغة .
الراجح :مذ هب
الجمهور
؛ وقد حكىالحسن بن صالح حيث قال لم أجد أحداً أفتى بوجوب زكاة الحُلي . فأين
للحنفية مثل هذا وكذلك حديث ليس في الحُلي زكاة .
المسألة الثالثة :
إخراج القيمة في زكاة الفطر
تحرير محل النزاع
:
1ـ اتفقوا على أنه
لايجوز إخراج المنفعة كركوب الدابة وسكنى الدار .
2ـ وإنما اختلفوا في
إخراج القيمة وهي ما يعادل الأعيان المنصوصة من دراهم ودنانير وثياب ولحم ونحوه .
المذاهب :
1ـ المالكية
والشافعية والحنابلة والظاهرية : قالوا لايجزئ إخراج القيمة .
2ـ الحنفية
: قالوا يجزئ إخراج القيمة .
سبب الخلاف
: هو أن الزكاة هل هي عبادة محضة أو حق للفقراء ؟ فمن قال هي عبادة وهم الجمهور
إنه إذا أخرج غير الأعيان المنصوص عليها (القيمة) يكون قد أتى بالعبادة على غير
وجهها فتكون فاسدة ، ومن قال هي حق للفقراء وهم الحنفية قالوا: لافرق بين الأعيان
المنصوصة وبين القيمة لأن كلاهما يسد حاجة الفقير .
الأدلة : أولاً :
أدلة الحنفية :
1ـ مارواه الدارقطني
أن معاذاًَ رضي الله عنه قال لأهل اليمن (إئتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان
الذرة والشعير فإنه أهون عليكم وأنفع لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أوكما
قال .
ومعلوم أن الزكاة غير
واجبة في الثياب فدل على أنه ما أراد إلا القيمة .
2ـ حديث (أغنوهم عن
المسألة في مثل هذا اليوم ) والإغناء يحصل بالقيمة كما يحصل بالعين بل هو أتم
وأوفر .
3ـ مارواه ابن أبي
شيبة عن عطاء قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأخذ العروض في الصدقة من
الدراهم .
4ـ ولأنه يجوز إخراج
القيمة في عروض التجارة فجاز في الفطر قياساً بجامع أن كلاً منهما مال مزكّى .
5ـ ولأن المقصود سدّ
خلّة الفقير وذلك لايختلف باختلاف صور الأموال .
ثانيا:أدلة الجمهور
:
1ـ حديث ابن عمر رضي
الله عنهما قال (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من تمر أو
صاعاً من شعير .....) أوكماقال.
فعين الواجب والتعيين
يفيد الإنحتام وإلا لم يكن لذكر هذه المسميات معنى (فائدة) .
2ـ ولأن الزكاة وجبت
لدفع حاجة الفقير وشكر نعمة المال ، والحاجات متنوعه فينبغي أن يتنوع الواجب ليصل
إلى الفقير من كل نوع ماتندفع به حاجته ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما أنعم
الله به عليه .
3ـ ولأن مُخرِج
القيمة قد عدل عن المنصوص فلم يجزئه كما لو أخرج الردئ مكان الجيد .
4ـ ولأنه حق يخرُج
على وجه الطهرة فلم يجز إخراج قيمته قياساًَ على العتق في الكفارة.
5ـ ولأن سبب وجوب
الحق إذا اتصل بشئ فإن الحق يتصل بصورته ومعناه ، مثل من اسلم في شيئ أو اشتراه أو
أوصى به فإن الحق يتعلق بعين ذلك الشيئ فكذا مانحن فيه .
المناقشات
: أولاً : مناقشة أدلة الجمهور :
الأول:عنه
جوابان :
أ/ أنه استدلال
بمفهوم مخالفة (وهو
هنا مفهوم اللقب) وهو ليس حجة عندنا .
ب/ سلمنا أنه حجة لكن
ظهر للقيد فائدة أخرى وهو أنه ذكر هذه الأشياء تسهيلاً على الناس لأن غالب أموالهم
هي هذه المذكورات .
الثاني
: أن حاجات الفقير غير محصورة في خصوص البر والشعير ... حتى لايجزئ غيرها ، بل
إخراج القيمة أتم وأوفر في دفع الحاجة وتنوعها فإنه بالقيمة يقدر على شراء هذه
الأنواع وغيرها .
الرابع
: أن الكفارة عندنا يجوز إخراج القيمة عنها .
ثانياً: مناقشة أدلة
الحنفية :
الأول:
جوابان : أ ـ أنه مرسل لأن طاووس لم يلقى معاذاًَ كما قاله الدارقطني .
ب ـ سلمنا صحته لكنه
محمول على الجزية لأن مذهب معاذ عدم جواز نقل الزكاة من بلد إلى بلد ، وسماها صدقة
تجوزاً .
الثاني :
جوابان أيضاً :
أ/ أنه ضعيف لأن في
سنده أبو معشر ابن عبد الرحمن السندي وهو ضعيف مختلط .
ب / سلمنا صحته لكن
الإغناء يكون بما نص عليه في حديث ابن عمر لأن المجمل يحمل على المقيد .
الرابع
: أنه قياس مع الفارق لأن الزكاة في قيمة العروض لافي عين العروض بخلاف مسألتنا .
الخامس
: بل المقصود اتباع المنصوص وإلا لم يكن للنص عليه معنى كما أن فيه تنويعاً
للمخرَج .
المسألة الرابعة : حج
المرأة بدون محرم .
تحرير محل النزاع :
1ـ اتفقوا على أن
الحج يلزم المرأة لعموم قوله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه
سبيلا) .
2ـ واتفقوا أيضاً على
أنه يجوز للمرأة الخروج بلامحرم في غير الحج من الأسفار الواجبة كفرار الأسيرة
والهجرة إلى بلاد المسلمين .
3ـ واتفقوا على أنه
لايجوز أن تحج المرأة بلامحرم إذا كان الحج تطوعٍ .
4ـ وإنما اختلفوا في
حج المرأة بلا محرم إذا كان حج فريضة .
المذاهب :
1ـ الحنفية والحنابلة
: لايجوز حجها بدون محرم .
2ـ المالكية
والشافعية
: يجوز حجها بدون محرم وذلك مع نساء ثقات .
سبب الخلاف:
تعارض
الأمر بالسفر لأداء الحج مع النهي عن سفرالمرأة بدون محرم ، فمن غلب عموم الأمر
وهم هنا: المالكية والشافعية قال : بجواز حجها بدون محرم ، ومن خصّص الأمر بالنهي
المذكور وهم هنا الحنفية والحنابلة : قال بعدم جواز حجها بدون محرم .
الأدلة :أولاً: أدلة الحنفية والحنابلة :
1ـ حديث أبي هريرة
رضي الله عنه في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لايحل لامرأة
تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم) وفي رواية أبي
سعيد الخدري : (لاتسافر امرأة سفراً ثلاثة أيام فصاعداً إلا مع أبيها أو ابنها أو
أخيها أو زوجها ) وهذا عام في كل سفر فيشمل السفر للحج .
2ـ حديث ابن عباس
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب (لايخلون رجل بامرأة ولايحل لامرأة
أن تسافر إلا مع ذو محرم فقام رجل وقال إني أُكتُتبتُ في غزوة كذا وانطلقت امرأتي
حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق فحج مع امرأتك) أوكما ورد
3ـ حديث الدارقطني عن
ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لاتحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم ) أو
كما ورد ، وهو نص في المسألة .
4ـ ولأنها أنشأت
سفراً في الإسلام فلم يجز بلامحرم قياساً على حج التطوع .
ثانياً: أدلة
المالكية والشافعية :
1ـ قوله تعالى : ((
ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )) والإستطاعة قد فسرها النبي صلى
الله عليه وسلم : بالزاد والراحلة ، فيلزمها الحج ولو بلا محرم أخذاً بالعموم.
2ـ حديث عدي بن حاتم
في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن تخرج الضعينة من الحيرة تؤم
البيت لاجوار معها لاتخاف إلا الله )أو كما ورد .
3ـ مارواه البيهقي عن
عمر رضي الله عنه قال: ( أحجّوا هذه الذرية لاتأكل أرزاقها وتدعوا (تتركوا)
أوباقها في أعناقها ) فأمر بالإذن للنساء في الحج ولم يذكر المحرم .
4ـ وفي البخاري أن
عمر رضي الله عنه : أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم بالحج في آخر حجة حجها
وأمر أن يخرج معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي عنهما.
5ـ ولأنه سفر واجب
فلا يشترط المحرم قياساً على الأسيرة إذا تخلصت من أسر الكفار .
6ـ ولأنه مع رفقة
النساء يحصل الأمن فيلزمها فرض الحج .
المناقشات : أولاً :
منا قشة أدلة الحنفية والحنابلة :
الأول : عنه
جوابان :
أ/ أنه مخصص بالأسفار
المباحة ، يعني أنه يخرج عن عمومه الأسفار الواجبة ومنه الحج بدليل أنها تخرج من
الأسر أو مهاجرة بلا محرم إجماعاً .
ب/ سلمنا أنه يتناول
كل سفر لكنه محمول على ما إذا لم يكن الطريق آمن .
الثاني :
عنه جوابان :
أ/ أنه محمول على حج
التطوع وذلك لأدلتنا .
ب/ سلمنا أنه حج
فريضة لكن الأمر فيه للندب لأن الزوج لايُلزم بالحج مع زوجته كما لايُلزم بنفقة
حجها .
الثالث
: عنه جوابان :
أ/ أنه ضعيف لأن
المحفوض فيه مرسل ، وأما المسند فشاذ ؛ فيه ابن جريج مدلس وقد عنعنه.
ب/ سلمنا صحته لكنه
محمول بأدلتنا على حج التطوع .
الرابع
: أنه قياساً مع الفارق لأن التطوع أضعف حالاً من الفرض .
ثانياً: مناقشة أدلة
المالكية والشافعية :
الأول:
عنه ثلاثة أجوبة :
أ/ أنه محمول على
الرجل بدليل أنهم اشترطوا خروج غيرها معها وجعل ذلك الغير هو المحرم ، والذي بينه
النبي أولى من جعله نساء ثقات بلا دليل من كتاب ولامن سنة .
ب/ أنه صلى الله عليه
وسلم جعل الزاد والراحلة يوجبان الحج مع بقية الشروط ولذلك اشترطوا غيرهما كتخلية
الطريق والمكان والمسير ....وهي مذكورة في الأحاديث فما شرطه النبي صلى الله عليه
وسلم من وجود المحرم أولى أن يكون شرطاً .
ج/ سلمنا أنه معارضاً
لأحاديثنا ولكن أحاديثنا أخص وأولى وأصح لأنها في الصحيحين .
الثاني:
أنه يدل على وجود ذلك لاعلى الجواز ولهذا
لم يجز في حج التطوع اتفاقاً ولم يذكر فيه خروج النساء معها وقد اشترطوه .
الثالث:
عنه جوابان :
أ/ أنه قول صحابي في
مقابلة النص فلا يقبل .
ب/ أنه لا دلالة فيه
لأن الأمر بإحجاج النساء لا يدل على خروج المرأة بدون محرم ، ولايلزم جوازه
بلامحرم .
الرابع:
أن المسلمين كلهم أبناء لهن وذوو محرم لهن لأنهن أمهات المؤمنين . [ذكره الفندلاوي في
اللباب]
الخامس
: عنه ثلاثة أجوبة :
أ/ أنه قياس في
مقابلة النص فلايصح .
ب/سلمنا صحته ولكنه
يقتضي حجها من دون محرم ولانساء ثقات فيلزم بطلان مذهبكم
ج/ سلمنا مذهبهم
ولكنه قياس مع الفارق لأن سفر الأسيرة ضرورة فلايقاس عليه حالة الإختيار ، ولأنها
تدفع ضرراً متيقناً بتحمل الضرر المتوهم (الذي يحصل لها
بلامحرم)
فلايلزم تحمل ذلك من غير ضررأصلاً .
السادس
: أنه بوجود النساء لايندفع الخوف عليها بل الخوف عليها أكثر ولذلك حرمت الخلوة
بالأجنبية ولوكان معها غيرها .
المسألة الخامسة :
الإنابة في الحج [حج
الفريضة ]
تحرير محل النـزاع :
1ـ اتفقوا على جواز النيابة عن الميت
إذا مات وهو قادر .
2ـ كما اتفقوا على
جواز النيابة عن الميت إدا مات وهو غير مستطيع وذلك إذا أوصى بالحج عنه [حج
الفريضة ]
.
3ـ وإنما اختلفوا في
النيابة عن الحي العاجز في حج الفريضة .
المذاهب :
1ـ الحنفية والشافعية
والحنابلة والظاهرية . يلزم العاجز أن يستنيب من يحج عنه .
2ـ المالكية ورواية
عن أبي حنيفة
: لايلزم العاجز أن يستنيب من يحج عنه .
سبب الخلاف :
1ـ
معارضة القياس للأثر ، وذلك أن القياس يقتضي أن لايحج أحد عن أحد كما أنه لايصلي
أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ، والأثر هو حديث ابن عباس : أن امرأة من خثعم
قالت : لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن فريضة الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً
أفأحج عنه ؟ قال: نعم . أوكما ورد
2ـ
تردد شبه ((الحج ))بين العبادة البدنية والعبادة المالية ، فمن غَلَّب جانب البدن
أَلْحَقَ الحج بالصلاة والصوم فلم يجوَّز فيه الإنابة ، ومن غَلَّب جانب المال
ألحق الحج بالزكاة والكفارة فجوَّز فيه الإنابة .
3ـ
اختلافهم في القدرة بالبدن هل هي شرط للوجوب في الحج أو شرط للأداء ، فمن قال: إنـها
شرط للوجوب قال بعدم وجوب الإنابة ، ومن قال: إنـها شرط للأداء قال بوجوب الإنابة
.
4ـ
اختلافهم في تفسير (( الاستطاعة ))في الآية ، فمن قال: هي القدرة بالبدن فقط قال
بعدم وجوب الإنابة ، ومن قال: هي الزاد والراحلة أوجب الإنابة .
5ـ
تعارض الخبر وعمل أهل المدينة ، فمن قدّم عمل أهل المدينة لم يوجب الإنابة ، ومن
قدّم الخبر وهو حديث الخثعمية فإنه أوجب الإنابة .
ملاحظة/
القدرة : عند الجمهور : شرط أداء ، وعند المالكية : شرط وجوب .
الأدلة : أولاً :
أدلة الجمهور:
1ـ
حديث ابن عباس في الصحيحين أن امرأة من خثعم قالت: لرسول الله صلى الله عليه وسلم
: (يارسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لايثبت
على راحلة أفأحج عنه ؟ قال: نعم ) . أوكما
ورد
2ـ
وروى أحمد والنسائي وغيرهما عن ابن عباس أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال: إن أبي مات ولم يحج أفاحج عنه ؟ قال : أرأيت لوكان على أبيك دين أفتقضيه عنه
؟ قال: نعم . قال : فحج عنه . أو كما ورد
3ـ
أن الحج عبادة يحب بإفسادها الكفارة فالعجز لايمنع وجوبها قياساً على الصوم .
4ـ
ولأن الحج عبادة يدخلها المال فصح أن يقوم فعل غيره مقام فعله قياساً على الزكاة .
ثانياً : أدلة
المالكية :
1ـ
قوله تعالى : (( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً )) وهذا غير
مستطيع.
2ـ
قوله تعالى : (( وأَنْ ليس للإنسان إلا ماسعى )) .
3ـ
مارواه البزار عن ابن عباس أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم : (أحج عن
أبي؟ قال: نعم إن لم تزده خيراً لم تزده
شراً ) أو كما ورد .
4ـ
أن الحج عبادة لاتصح فيها النيابة مع القدرة فلم تصح مع العجز قياساً على الصلاة .
المناقشة : أولاً :
مناقشة أدلة الجمهور :
الأول:
عنه جوابان :
أ / أنه مخصوص بوالد
الخثعمية في جواز الحج عنه كما كان سالم مولى أبي حذيفة مخصوص بتحريم الرضاع في
الكبر لأن والد الخثعمية سبق فرض الحج كما أن سالما سبق قطع التبني .
ب / سلمنا أنه غير
مخصوص لكن فرض الحج ساقط لأنها قالت: إن الحج أدرك أباها
وهوعاجز . ومن هذه صفته فلاحج عليه .
الثاني
: أنه وارد في التطوع فإذا حج عن أبيه تطوعاً أثيب عليه كما لو تطوع بقضاء دين
أبيه ، يؤيد هذا أن دين الآدمي حق يسقط بالإبراء ويؤدَّى عن صاحبه مع القدرة والعجز بأمره أو بغير أمره بخلاف الحج ، ولو كان الحج
كالدين حقيقة لكان إذا حج عن أبيه ثم صح وقوي سقط عنه وليس الأمر كذلك .
الثالث
: أن الحج عبادة بدنية تجب بإفسادها الكفارة فلم يجزفيها النيابة قياساً على
الصوم. الرابع: أنه قياس مع الفارق لأن الابتلاء في الحج يكون بإتعاب البدن
لكي يظهر فيه الانقياد أو النفور بخلاف
الزكاة فإن الابتلاء فيها يكون بنقص المال وهو حاصل بالنفس وبالغير .
ثانياً : مناقشة أدلة
المالكية :
الأول:
أن العاجز ببدنه مستطيع فيدخل في الآية لأن الاستطاعة عندنا هي الزاد والراحلة ،
أي أنه مستطيع بماله ، وبذله المال داخل في الآية .
الثاني :
عنه ثلاثة أجوبة :
أ/ أن معنى الآية أن
ليس للإنسان إلا مافعله هو أو ماوهب له بدليل اتفاقهم على وصول ثواب الصدقة إذا
تصدق عنه الغير .
ب/ أن العاجز قد وجد منه السعي وهو بذل المال
والاستئجار للحج .
ج/ أن الآية مكية بإجماع المفسرين وحديث الخثعمية
في حجة الوداع فيكون مخصَّصاً أو ناسخاً .
الثالث : عنه
جوابان :
أ / أنه
ضعيف ولفظه منكر (قال ابن حجر أجمع الحفاظ عى أنه منكر ) وقد تفرد به عبد الرزاق
عن الثوري وهو ليس موجوداً عند أصحاب الثوري .
ب / سلمنا صحته لكن
لادلالة فيه لأنه لم يذكر أن أباه كان عاجزاً ولاأنه لايستطيع أن يثبت على الراحلة
.
الرابع: أنه قياس مع الفارق
لأن الصلاة لايدخلها المال بخلاف الحج .
المسألة السادسة :
حكم الوقوف بمزدلفة .
تحرير محل النزاع :
1ـ اتفقوا على مشروعة
الوقوف بمزدلفة وأنه نسك من مناسك الحج .
2ـ كما اتفقوا على أن
مَنْ بات بمزدلفة حتى صلى مع الإمام فإن حجه تام ولاشيء عليه
3ـ وإنما اختلفوا في
صفة المشروعية أي حكم الوقوف بها وحكم مَنْ تركه .
المذاهب :
1ـ الحنفية والمالكية
والشافعية والحنابلة : الوقوف بمزدلفة واجب ، ومن تركه
فعليه دم وحجه صحيح .
2ـ الظاهرية وبعض
التابعين وبعض الشافعية : الوقوف بمزدلفة ركنٌ ، ومن تركه فحجه
باطل .
3ـ رواية عن الشافعي
وبعض المالكية : الوقوف سنةٌ ، ومن تركه فلاشيء عليه
.
سبب الخلاف
: اختلافهم في الأخذ
بظاهر حديث عروة بن مضرس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((
مَنْ أدرك معنا هذه الصلاة وكان قد أتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تمَّ
حجه وقضى تفثه ))
فمن أخذ بظاهر الحديث قال: من ترك المبيت بمزدلفة لم يتم حجه ولم يقضِ تفثه ، ومن
ترك ظاهر الحديث وحمله على الأفضلية قال: من ترك المبيت بها تم حجه وقضى تفثه إذا
جُبر بدم .
الأدلة : أولاً :
أدلة الجمهور :
1ـ قوله عليه الصلاة
والسلام : (الحج عرفة ، فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج ) أو كما ورد ، فلم يذكر
الوقوف بمزدلفة ولو كان ركناً كعرفة لذكره .
2ـ ولأن ما جاز تركه
لعذر لايكون ركناً في الحج قياساً على طواف الوداع .
3ـ ولأنه مبيت بمكان
فلم يكنٍ ركناً في الحج قياساً على المبيت بمنى .
ثانياً : أدلة الظاهرية :
1ـ قوله تعالى : ((
فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام )) والمشعر الحرام هو مزدلفة
، والأمر بالذكر عندها يدل على فرضية الوقوف بها .
2ـ قوله تعالى : ((
وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر )) والحج الأكبر هو يوم النحر ،
فمن المستبعد أن لايكون في ليلته شيء من أركان الحج وهو أعظم أيام الحج وأفضلها .
3ـ حديث عروة بن
مضرّس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (( من أدرك معنا هذه الصلاة وكان قد
أتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تمّ حجه وقضى تفثه )) أو كما ورد ، فدل على
أنه إذا لم يدرك مزدلفة ويصلي بها لم يتمّ حجه ولم يقض تفثه .
4ـ مارواه النسائي أن
النبي صلى الله عليه وسلم : قال (( من أدرك جمعاً مع الإمام والناس حتى يفيضوا فقد
أدرك الحج ، ومن لم يدرك مع الإمام والناس لم يدرك )) أو كما ورد ، وجمع هي مزدلفة ، والحديث نص
في محل النزاع .
ثالثاً : أدلة المذهب
الثالث :
1ـ أن النبي صلى الله
عليه وسلم بات بمزدلفة ولم يرخص إلا
للضعفة فلزم أن يكون مسنوناً .
2ـ ولأنه مبيت فكان
سنة قياساً على المبيت بمنى ليلة عرفة .
المناقشات : أولاً :
مناقشة أدلة الجمهور :
الأول: أن الحديث لايدل على حصر الأركان في عرفة بدليل
اتفاقنا وإياكم على أن للحج أركاناً أخرى غير الوقوف بعرفة ، فأنتم تلحقون طواف
الإفاضة مثلاً ، ونحن نلحق المبيت بمزدلفة .
الثاني ، والثالث
: أنه استدلال بالقياس والقياس ليس حجة
عندنا .
ثانياً : مناقشة أدلة
الظاهرية :
الأول
: عنه ثلاثة أجوبة :
أ/ أن المراد بالذكر
فى الآية هو صلاة المغرب في مزدلفة .
ب/ سلمنا أن المراد
بالذكر ظاهره لكن الآية لم تذكر الوقوف وإنما ذكرت الذكر ، والذكر ليس بركن
إجماعاً فما يلزم عنه وهو الوقوف أَوْلَى أن لايكون ركناً ، وقد أجمعوا على أن من
وقف بمزدلفة ولم يذكر الله فحجه تام .
ج/ سلمنا دلالة الآية
على الأمر بالوقوف بمزدلفة لكنه أمر مطلق فغايته أنه يدل على الوجوب ونحن قائلون
به فتكون الآية دليلاً لنا .
الثاني
: عنه جوابان
أ/ أن غاية الدليل
استبعاد ذلك ، والاستبعاد ليس بدليل .
ب/ سلمنا لكن ليلة
الحج الأكبر لم تخل من أركان فإن فيها الوقوف بعرفة ، فإن الوقوف بعرفة يمتدّ إلى
فجر يوم النحر .
الثالث
: عنه جوابان :
ا/ أنه استدلال
بمفهوم الشرط وهو ليس بحجة عندكم ( هذا نوع من أنواع مفهوم المخالفة ).
ب/ أن الحديث لايصح
حمله على ما قلتم إذ لو حمل على ذلك لكان معناه أن من بات بمزدلفة ونام حتى الصبح
فإن حجه باطل وهذا باطل إجماعاً .
الرابع
: عنه جوابان :
أ/ أنه ضعيف تفرد به
مطرف بن طرفة مخالفاً رواية الثقات
(شاذ) .
ب/ سلمنا صحته لكنه
يدل على فوات كمال الحج لافوات أصله .
ثالثاً : مناقشة أدلة
المذهب الثالث:
الأول: أن مبيت النبي صلى الله عليه وسلم بمزدلفة
وأمره الناس بذلك وعدم ترخيصه إلا للضعفة يدل على أنه واجب وإلالم يكن للرخصة معنى
.
الثاني
: بالقلب بأن يقال: إنه مبيت فلم يكن سنة بل واجب قياساً على المبيت ليالي التشريق
. (وهذا
قياس القلب )
الراجح : مذهب
الجمهور
: لأنه لوكان الوقوف بمزدلفة فرضاً لكان له وقت مخصوص ومعلوم أن وقت الوقوف بمزدلفة هو وقت الوقوف بعرفة
فلوكان المبيت بمزدلفة ركناً لخصَّ بزمانٍ
ومكان ، وبيان ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح أنه من أدرك عرفة ولوفي آخر لحظةٍ
من الليل فقد أدرك الحج ، ويلزم من هذا ترك الوقوف بمزدلفة .
المسألة السابعة :
النّفرُ من عرفة قبل غروب الشمس .
تحرير محل النزاع:
1ـ اجمعوا على أن
الوقوف بعرفة ركن وأن تاركه لاحج له .
2ـ كما أجمعوا على أن
من أتى عرفة ليلاً فحجه صحيح .
3ـ واجمعوا على أن من
أتى عرفة نهاراً وخرج بعد الغروب فحجه صحيح.
4ـ اجمعوا على أن من
أتى نهاراً وخرج قبل الغروب ثم عاد إليها فوقف إلى مابعد الغروب أو عاد إليها
ليلاً فحجه صحيح .
5ـ وإنما اختلافهم
فيمَنْ أتى عرفة نهاراً وخرج منها قبل الغروب ولم يرجع إليها .
المذاهب :
1ـ الحنفية والشافعية
والحنابلة
: إذا خرج قبل الغروب فحجه صحيح وعليه دمٌ .
2ـ المالكية
: إذا خرج قبل الغروب فحجه باطل .
سبب الخلاف:
هو
اختلافهم في ركن الوقوف وأصله هل هو الليل أو النهار ؟ فمِنْ قال: إن أصل الوقوف
هو النهار وأما الليل فتبعٌ له وهم الجمهور قال هنا : إن وقوف النهار وحده يجزئه
وحجه صحيح . ومِنْ قال: أن الأصل في الوقوف هو الليل وأما النهار فتبعٌ له وهم
المالكية قال هنا : إن وقوف النهار وحده لايجزئه وحجه باطل .
الأدلة : أولاً :
أدلة الجمهور
1ـ قوله تعالى (( ثم
أفيضوا من حيث أفاض الناس )) حيث أمر بالإفاضة من عرفات من غير تخصيص بليلٍ أو
نهار فاقتضى بعمومه جوازه في أي وقت من ليلٍ أو نهار .
2ـ حديث عروة بن مضرّس
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك معنا هذه الصلاة وكان قد أتى عرفة قبل
ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه ) أوكماورد ، حيث صرّح بأنه قد تم حجه
بالوقوف في أحد الوقتين الليل أو النهار .
3ـ ولأن الوقوف بعرفة
ركن فوجب أن لايختص بزمنٍ دون زمن قياساً على على طواف الإفاضة .
4ـ ولأنه وقف في زمن
الوقوف فأجزأه قياساً على الليل .
ثانياً : أدلة
المالكية :
1ـ أن النبي صلىالله
عليه وسلم دفع بعد غروب الشمس وقد قال : (خذوا عني مناسككم ) والأمر يفيد الوجوب .
2ـ مارواه الدارقطني
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وقف بعرفة بليلٍ فقد أدرك الحج ،
ومن فاته عرفات بليلٍ فقد فاته الحج ) أو كما ورد ، وهو نصٌ في محل النزاع .
3ـ ولأنه لم يقف
جزءاً من الليل فلم يجزئه قياساً على من وقف قبل الزوال .
المناقشات : أولاً :
مناقشة أدلة الجمهور .
الأول:
أن العموم مخصَّص بإدلتنا التي بينت زمن الوقوف الواجب حملاً للمطلق علىالمقيد.
الثاني :
عنه ثلاثة أجوبة :
أ/ أنه ضعيف لأن في
سنده محمد بن اسحاق وهو ضعيف .
ب/ سلمنا صحته لكن
قوله ليلاً أو نهاراً ليس فيه تخيير بل معناه ليلاً ونهاراً (أي يقف نهاراً ويضم
إليه جزءاً من الليل ) كما قال تعالى : ((ولاتطع منهم آثماً أو كفورا )) أي آثماً
وكفورا ، وإنما قلنا ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف وقوفاً واحداً جمع فيه
بين النهار والليل وقد قال: خذوا عني مناسككم .
ج/ سلمنا أنه دالٌ
على التسوية والتخيير بين وقوف النهار ووقوف الليل ولكن يلزم منه أن لايلزم الدم
تارك الوقوف جزءاً من الليل وهو خلاف مذهبكم .
الثالث :
أنه قياس مع الفارق لأن الطواف يستوي جعله في جميع أجزاء الليل والنهار من غير نقص
ولاجبران بدم بخلاف الوقوف بعرفة .
الرابع
: أنه قياس من الفارق لأن أجزاء الليل كلها متساوية بالنسبة للوقوف من غير نقص
ولاجبران بخلاف النهار فإن أوله لايجزء وآخره مختلف فيه وإن أجزء عندكم ، ولزوم
الجبران بالدم ، فافترقا والفارق قادح .
ثانياً مناقشة أدلة
المالكية :
الأول
: عنه جوابان :
أ/ أن فعله صلى الله
عليه وسلم يحمل على بيان الأكمل والمستحب جمعاً بينه وبين حديث عروة بن مضرّس .
ب/ سلمنا أنه يدل على
الوجوب فنحن نقول به ولهذا أوجبنا عليه دم عند تركه ، فأما فوات الحج بفواته
فيحتاج إلى دليلٍ آخر .
الثاني:
عنه جوابان :
أ/ أنه ضعيف لأن فيه
ثلاثة رجالٍ مجاهيل وابن أبي ليلى سيئ الحفظ .
ب/ سلمنا صحته لكنه
جاء لبيانِ آخر وقت الوقوف بعرفة وهو الليل فمن فاته الوقوف ليلاً فقد فاته الحج
فلادلالة لكم فيه .
الثالث:
عنه جوابان :
أ/ أننا ننازع في
الأصل المقيس عليه لأنه يجوزالوقوف قبل الزوال ، وهذا الجواب للحنابلة.
ب/ سلمنا لكنه قياس
مع الفارق لأن ماقبل الزوال ليس وقتاً للوقوف بعرفة بخلاف الوقول بعده فلم يصح
قياسه عليه ، وهذا الجواب للحنفية والشافعية .
الراجح :
والله أعلم هو مذهب الجمهور ؛ وقد رجحه من المالكية ابن العربي وابن عبد البر في
التمهيد .
إعداد/ جبر بن عطية البجالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق