القلوب وأقسامها
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام
على نبينا محمد وعلى آله وصحيه أجمعين أما بعد: فإن القلبَ ملكُ الجوارحِ والمهيمنُ
عليها، وهو الذي إذا صَلَحَ صَلَحَتِ الجوارحِ كُلُها وإذا فَسَدَ فَسَدَتِ
الجوارحِ كُلُها، ولذلك تعددت أوصافُه في القرآن الكريم و في سنة سيد المرسلين وفي
كلام الأئمة المحققين . فقد جاء في كتابِ اللهِ عز وجل ذِكرُ القلبِ السليمِ , قال
تعالى: {إِلَّا
مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }[الشعراء 088-089] . كما جاءَ ذِكرُ القلبِ المطمئن، قال
تعـالى: {يَوْمَ
لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم
بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }[الرعد
028]
وجاء أيضاً ذكرُ القلبِ القاسي الذي لا ينتفعُ بالمواعظِ والآياتِ ، ولا تؤثر فيه
الحوادثِ والمفزعاتِ ، قال تعــالى:{ثُمَّ قَسَتْ
قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً }[البقرة
074] وقد
تَوَعْدَ اللهُ تِلْكَ القُلُوبَ عَلَى قَسْوَتِهَا فقال: {أَفَمَن
شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ
لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }[الزمر22]
أقسام
القلوب
قَسَّمَ
النبيُ r
القلوبَ إلى قسمينِ: قلبٍ أسودَ منكوساً لا يعرفُ معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشربه
الفتنُ على القلوبِ كعرضِ الحصيرِ عوداً
عوداً فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتتْ فيهِ نُكتَةٌ سوداءُ ، وأيُّ قلبٍ أنكرها نُكِتَتْ
فيهِ نُكتَةٌ بيضاءُ حتىَّ تعودَ القلوبُ على قلبينِ: قلبٍ أسودَ مربادّاً كالكوزِ مُجَخِّياً لا يعرفُ معروفاً ولا ينكرُ
منكراً إلا ما أشربَ من هواه وقلبٍ أبيضَ ،فلا تضُرُّهُ فِتنةٌ ما دامتِ السماواتُ
والأرضُ))
[رواه
مسلم 144]
فالقلب الأسود هو القلب المنكوس الذي يقبلُ
من الحقِ إلا ما وافقَ هَوَاهُ ، أما ما يُخالِفُ هَوَاهُ فإنه لا يقبله لا يعملُ بهِ
.
وأما القلبُ الأبيضُ فهوَ الذي صَفَتْ
سرِيرَتُهُ وأخْلَصَ لله في عبادتهِ فكان
أمرُ اللهِ ورسولهِ r أحبَّ إليهِ من هَوَاهُ فلا يُقدِمُ على أمرِ
اللهِ ورسولهِ r:شيئاً
كائناً من كان .
واعلم ـ أخي الحبيب ـ أن القلبَ أغلى ما يملِكُهُ
الإنسان ، وهو الذي إذا صَلَحَ صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله قال r
: ((
ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي
القلب ))
متفق عليه.
وقال
r
: ((
إن هذهِ القلوبَ تصدأ كما يصدأُ الحديد
إذا أصابه الماء قيل: يا رسول الله وما جلاؤها قال: كثرة ذكر الموت وتلاوة
القرآن ))
[رواه البيهقي في شعب الإيمان وأبو نعيم في الحلية ]
وقال r
((
إن هذه القلوبَ أوعيةٌ فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره ))[أخرجه ابن أبي
شيبة في مصنفه ].
ثم اعلم أخي الحبيب ـ وفقهك الله ـ أن
الله عزوجل إذا أعطى العبدُ قلباً سليماً فقد أعطاه خيراً كثيراً وإن حرمَهُ من
بعضِ مُتَعِ الدنيا ، وإذا حَرَمَهُ اللهُ القلبَ السليمَ فقد حَرَمَهُ خيراً
كثيراً وإن أعطاه كثيراً من مُتَعِ الدنيا . قال r
:
((
إن الله عزوجل لا ينظرإلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)).
أمراض القلوب
ذكر
النبيr:في
هذا الحديث من أمراض القلوب، داءينِ عظيمينِ ومرضينِ خطيرينِ :
أحدهما: الشبهات، وذلك بأن
يشتبهَ على القلبِ المعروفُ بالمنكرِ، فيُصبِحُ لا يعرفُ معروفاً ولا يُنكرُ
منكراً إلا ما أشربه من هَوَاهُ ، وربَّما استحكمَ عليهِ المرضُ حتىَّ يعتقدَ
المعروفَ منكراً ، والمنكرَ معروفاً والسنةَ بدعةً والبدعةَ سنةً والحقَّ باطلاً
والباطلَ حقاً .
وهذا هو حالُ المنحرفينَ في هذا الزمانِ
، الذين جعلوا المسلمينَ كفاراً والمؤمنينَ فجاراً ، وولاةَ الأمورَ ظلمةٌ يجبُ قِتَالُهُم
, ومن ثم استباحوا دماءَ المسلمينَ وترويعَ
الآمنينَ وتدميرَ الممتلكاتِ ، وعدُّوا ذلكَ جِهاداً في سبيل الله .
الثاني:
الشهوات ، وذلك بان يُقدِمَ شَهَوَاتِهِ، على ما جاءَ بهِ الرسولُ r
فلا يقبل إلا ما وافق هَوَاهُ ، وانْسَجَمَ مع رغباتِهِ ، وهذا في الحقيقةِ إنما
هو عبدٌ لهواه .
واعلم أخي الحبيب ـ حفظك الله ورعاك ـ أن
علاجَ مرضَ القلوبِ وإصلاحَ ما فسدَ منها، إنَّما هو بالرجوعِ إلى كتابِ اللهِ
وسنةِ رسول الله r فهو الأمرُ الذي صَلَحَ
به أولُ هذه الأمةِ ولن يَصْلُحَ آخِرُهَا إلا بما صَلَحَ به أولُهَا . وبالله
التوفيق ،،،،
اعداد/ جبر بن عطيه فرج البجالي
إمام
وخطيب جامع وادي جليل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق