رسالة المدونة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرحباً بكم في مدونتي الخاصة والتي تعنى ببحوثي وخواطري ، آمل أن تجدوا فيها ما يفيدكم ويسعدكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخوكم / جبر البجالي




الأربعاء، 31 أغسطس 2016

كلمة كنت قد ألقيتها في أحد الاجتماعات الشبابية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين والصلاة السلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين اللهم علمنا ما ينفعنا ....
أيها الإخوة الكرام ... أيها الأبناء الأعزاء ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
فيسعدني أن بينكم متحدثاً عن تجارب وعبر وأحكام وحكم .... لعلنا نستفيد من تجارب السابقين وأخبار السالفين ؛ فالسعيد من اعتبر بغير والشقي من كان عبرة وعظة لغيره.
ولعلنا نمهد للحديث عن التجارب بمقدمة عن طلب العلم وفضله ومكانة أهله العاملين به والداعين إليه وبعض العوائق التي تعوق عن طلب العلم لكونكم طلبة علم سواءً من كان منكم طالب علمٍ شرعي أو طالب علمٍ طبيعي .
فطالب العلم الطبيعي يشارك طالب العلم الشرعي في الأجر إذا أحسن النية وقصد بعلمه نفع المسلمين كعلم الفيزيا والكيميا والرياضيات والمساحة التي هي أساس علم التكنلوجياً والصناعات الحديثة وقد أسس علماؤنا السابقون أكثر العلوم كعلم الحساب ، والفلك والرياضيات والكيميا والفيزيا والطب والهندسة وعلم النجوم والأبراج والمراصد والجيلوجيا والطيران وغيرها من العلوم الكثيرة التي سرقها الغرب وطورها ونسبوها لأنفسهم ؛ فلا يظن طالب العلم الطبيعي أن الفضل فقط لطالب العلم الشرعي ، وإن كان طالب العلم الشرعي على رأس الهرم في الأجر والفضل ، وكان كثيرٌ من علماء السلف رحمهم الله يجمعون هذه العلوم أو أكثرها فتجده يتكلم في كل فن وكأنه متخصصٌ فيه ؛ إذن يمكن لطالب العلم الطبيعي أن يتعلم العلم الشرعي ويجمع بين خيري الدنيا والآخر والأمثلة على ذلك كثير ومنهم إمام الحرم الشيخ ماهر المعيقلي مدرس رياضيات ودرس العلم الشرعي وحفظ القرآن وأصبح إماماً للحرم المكي وغيره كثير .
فهنيئاً لكم ما أنتم في من فضلٍ وأحرٍ  وهنيئاً لكم ما تلقون من الرعاية من هذه الجمعية المباركة ، وقد كان كثيرٌ من العلماء لا يجدون من يعتني به بل كانوا يصبرون على الجوع وشظف العيش وبعضهم كان يلقى في سبيل طلب العلم من الأذية ما يلقى وبعضهم مات في سبيل طلب العلم .
وهذا دين في أعناقكم لهذه الجمعية لتقدموا لها من الدعم المؤازرة ما تردون به جميلها. فنقول وبالله التوفيق :
أهمية العلم وفضله ومكانة العلماء ؛ حيث فضل الله أهل العلم العاملين به غيرهم وأشهدهم على وحدانيته فقال تعالى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ} [آل عمران18] وأخبر أنهم أهل خشيته قال تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}[فاطر28] قال تعالى : {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ }[الزمر9] وقال تعالى : {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }[المجادلة11]
وقال صلى الله عليه وسلم: « من يرد الله به خيرا ً يفقه في الدين » رواه البخاري ومسلم
وقال صلى الله عليه وسلم : « من سلك طريقا ً يلتمس فيه علما ً سهل الله له طريقا ً إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا ً بما يصنع ، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ً ولا درهما ً إنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر » رواه أصحاب السنن إلا النسائي
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه، قال : ضمّني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال : « اللهم فقّه في الدين »
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : العلم خير من المال؛ فالعلم يحرسك وأنت حرس المال ، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكوا بالإنفاق ، وقال ناظما ً :
ما الفخــــر إلا لأهل العلم إنهم *** على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه *** والجاهـلون لأهل العـلم أعداء
فـفـز بعلم تعش حيـا ً به أبــدا *** الناس موتى وأهل العلم أحياء
       فكم من عالم مات من مئات السنين ومازال علمه وكتبه وذكره حياً يُترحم عليه في المجالس وفي حلقات العلم يستفاد من علمه وتؤخذ الأحكام من كتبه فهذه منزلة العلماء وطلبة العلم التي شرفهم الله بها . فهنيئاً لك يا طالب العلم هذا الفضل العظيم .
إيها الإخوة الكرام وقفتنا التالية مع بعض العوائق والمثبطات:
مما لا شك فيه أن الإنسان ولا سيما المسلم في معارك وبطولات مع أعدائه الكثيرون وأخصامه الألداء : فإما أن ينتصر فيكون هو بطل المسلسل كما يقولون وإما أن ينهزم ويكون خصمه هو بطل المسلسل .
ومن المسلمات أن من يدخل المعركة بغير سلاح فإنه سيهزم أمام خصمه . ولكل خصم سلاح ولكل معركة عدة تناسبها .
والأعداء كثيرون وعداوتهم متفاوتة :
فأول الأعداء وأشدهم عداوة: إبليس عليه لعنة الله ؛ فهو الذي أخرج أبينا من الجنة وتعهد بإغواء ذريته فقال {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف17] هذا حل إبليس مع بني آدم . وقد أخبرنا الله بعداوته وأمرنا الله بمعاداته فقال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }[فاطر6]
الثاني الدنيا : قال تعالى : { فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [لقمان33] وقال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ }[الحديد20] .
الثالث النفس الأمارة بالسوء : قال تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ }[يوسف53]
الرابع الهوى : قال تعالى  : {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ }[ص26] .  قال الشاعر في هؤلاء الأعداء الأربعة :
إبليس والدنيا ونفسي والهوى    كيف الخلاص وكلهم أعدائي
    وهؤلاء هم أشد الأعداء على الإطلاق ... وهناك أعداءٌ  كثر:
منهم أصدقاء السوء: فهم أعداء وليسوا أصدقاء، فصداقتهم كذابة ومؤقتة قال تعالى: {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ }[الزخرف67]
ومنهم المثبطون أصحاب النظرة السوداء المتشائمون الذين لا يبدعون بأنفسهم ولا يدعون غيرهم يبدع فهم أعداء النجاح والتقدم يخوفون غيرهم من الفشل وهم فاشلون .
علماً أن التعثر والفشل ليس نهاية المطاف بل هو طريقٌ إلى النجاح وسبيلٌ إلى الرقي والتقدم والإبداع والإنتاج، نتعلم من الأخطاء والتعثر ما لا نتعلمه من النجاح المستمر ولولا الخطأ والتعثر والفشل ما كان للنجاح طعمٌ لا للفوز حلاوة .
ومن المفيد جداً أن نأخذ التجارب ممن سبقنا من البدعين الناجحين ، ونبدأ من حيث انتهوا لا من حيث بدأوا ؛ لأننا إذا بدأنا من حيث بدأوا لا نخلوا إما أن نكون مساوين لهم فنقف حيث وقفوا ، وإما أنكون أضعف منهم فنقف دونهم ، وإما أن كون أقوى منهم فنقف بعدهم بقليل على حسب الفارق بيننا وبيهم . أما إذا بدأنا من حيث انتهوا فإننا سنقف بعدهم ولو كنا أضعف منهم لا محالة . .. كمن يضيف دوراً على عمارة مبنية من قبله .
      وإذا تأملنا في هذه الحياة الدنيا، وما أودع الله فيها من آياتٍ بيناتٍ وعبرٍ وعظاتٍ نجد أنها مدرسة عظيمة يتخرج منها الأجيال، وميدان واسع تُكتسبُ فيه التجارب والخبرات ويرتبط فيه الحاضر بالماضي، إذ يمر الإنسان في حياته بالكثير من المنعطفات المهمة التي تغير اتجاهه وتحول سيره وتأثر في مزاجه وتكون شخصيته .
      ومن أعظم ما يؤثر في شخصية الإنسان ويسهم في تكوينه القدوة ، سواء ٌكانت صالحةً أو على العكس من ذلك، وسواءٌ كان أولئك المقتدى بهم من الآباء والكبراء أو من الأنداد والنظراء أو من التلاميذ والأتباع .
      وطريق ذلك الإعجاب، فكل من أعجب بشخصٍ أو بفعلٍ أو بقولٍ فإنه يحاول محاكاتِه وتقليدِه، فيحدث التأثر وتبدأ المنعطفات وتتشكل الشخصية، ولذلك يقال: إن الإنسان لا سيما الصغير أشبه ما يكون بالعجينة في يد الخباز، ومن هنا تنبع أهمية القدوة الصالحة، وخطر القدوة السيئة، ولذلك قال r: (( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه )) ([1]) .
      وإذا عُدتَ بفكرك وتأملت أيام حياتك، تجد أن هناك شخصياتٌ ومواقف وأحداث أثرت في حياتك سلباً وإيجاباً، سواءٌ جاء تأثيرها في الحال، أم كان متأخراً زمناً، ولذلك تمر بالإنسان فرص ذهبية، لا يوفق لاستغلالها في الحال ولا يشعر بقيمتها وأهميتها في ذلك الوقت، فيتذكرها بعد حين ويشعر بقيمتها، فيحزن على فواتها ويتمنى أنه لم يفرط فيها .
ومن المسلمات أيضاً : أن الإنسان لا يحب أن يتفوق عليه أحد ، حتى الكسالى لا يريدون أن يتفوق عليهم أحد ولذلك يحسدون من يتفوق عليهم ويتمنون زوال نعمة الله عنه وهذه القضية تقع حتى بين الصلحاء وطلبت العلم تجدهم يتحاسدون بل أحياناً تنشب بينهم الخلافات والشتائم بسبب تفوق بعضهم على بعض . إلا الوالد فإنه يتمنى أن يكون ولده أفضل منه لكمال محبته له وشفقته عليه .
ذكر أحد المشايخ الذين منَّ الله عليهم بالاستقامة بعد انحراف وإدمان مخدرات أنه كان يوماً هو ووالده واقفين في نقطة تفتيش وفي زحمة شديدة أيام التفجيرات حدثت في المملكة فرأه أحد العسكر واقف في الزحمة فأخرجه من تلك الزحمة على خط الخدمة حتى وصل به إلى النقطة فوالده خاف أن يكون مازال ابنه مطلوباً فلما وصل إلى النقطة فإذا العسكر يسلمون على راسه ويرحبون به فقال الوالد لولده أشهد يا ولدي أنك شيخ بعد أن كنت كل ويوم يستدعيني العسكر ويخبروني عن مشاكلك أصحوا الآن يحترمونك ويجلونك .
أخوكم/ جبر البجالي


(‏[1]) أخرجه  البخاري برقم (1385) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق