رسالة المدونة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرحباً بكم في مدونتي الخاصة والتي تعنى ببحوثي وخواطري ، آمل أن تجدوا فيها ما يفيدكم ويسعدكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخوكم / جبر البجالي




الأحد، 2 أكتوبر 2016

وريقاتٍ في النحو كتبها لي شيخي محمد احمد الأنصاري في حج عام 1437هـ

هذه الوريقات في النحو كتبها لي شيخي محمد احمد الأنصاري في حج عام 1437هـ
وقد كنت درست عليه في مقدمة ابن أبي زيد القيرواني وذكرت له أن بدأت بدراسة النحوي على ابن عمه الشيخ المحمود الأنصاري فكتب لي هذه الوريقات وقال لي لعلك تنتفع بها فجزاه الله عني خير الجزاء .

وبالله التوفيق والسداد
 

كتاب الأرزاق بيد الخلاق


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد: فإن الله عز وجل بيده الأرزاق ، كما أن بيده الآجال {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ}[الحجر5]وقال سبحانه وتعالى: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}[الذاريات22]فالله سبحانه وتعالى ضمن الرزق لعبادة وأقسم على ذلك بقول تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }[الذاريات23]أي أقسمُ برب السماء والأرض – ولله أن يقسمَ بما شاء من خلقه وليس للعبد أن يقسمَ إلا بالله بسمٍ من أسمائه أو صفة من صفاته -إن الرزق حقٌ لا شك فيه كما أنكم تنطقون بما تريدون لا تمترون في قدرتكم على النطق بما تريدون فلا ينبغي لكم أن تشكوا في أن الله سيرزقكم من فضله ، وخص السماء بالرزق لكون المطر الذي به حياة كل شيءٍ ينزل من السماء فتحيى به الأرض ، وتؤتي أكلها كل حينٍ بإذن ربها ,وقال ربيعة الأسلمي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( سلني يا ربيعة أعطك قال أسأل مرافقتك قال صلى الله عليه وسلم من أمرك بهذا قال واللهِ يا رسول الله ما أمرني به من أحدٍ غير أني علمت أن لي رزقاً سيأتيني ويكفيني فقلت أسألك لآخرتي قال صلى الله عليه وسلم فأعني على نفسك بكثرة السجود )) .

وروى البيهقي في شعب الإيمان(( إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله )) ، وقال صلى الله عليه وسلم (( لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا )).

إخوتي الكرام: في هذه الأيامُ يخوضُ بعضُ الناسِ فيما صدر من أوامرَ وقراراتٍ وما قضت به من إيقاف العلاوة السنوية لموظفي الدولة وخفض بعض المخصصات لبعض موظفي الدولة وشق ذلك على بعضهم ، وبدأوا يؤلون ويحللون وبعضهم يتشاءمون من هذه القرارات، ظن البعض أن ذلك سيضيق عليهم رزقهم ، فبدأوا يروجون الإشاعات ويخترعون القصص والحكايات ، ويتنبؤون بما سيئول إليه الأمر بعد سنوات ، ويستذكرون ماضي الأجداد وحكاياتهم وزمن المجاعات ؛ دليلٌ على عدمِ الثقةِ وضعفِ الإيمان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

يا أحبتي في الله: هل نسينا{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }[الذاريات58]ألم نعلم أن الأرزاق بيد لله لا يجرها حرص حريص ويردها كره كاره . فلا يستطيعُ أحدٌ أن يعطينا ما ليس لنا أو يمنعنا ما هو لنا .

والله وبالله وتالله لا يستطيع ذلك من أحدٍ لا ملك ولا وزير ولا أمير ، ولا صديقٍ ولا حاقدٍ ولا محبٍ ور حاسدٍ ؛ لأن ذلك بيد الله لا يملكه أحدٌ غيرهـ .

فمادام أن غير الله لا يملك من أرزاقنا شيئاً فلنعلم أن غير الله لا يستطيع أن يمنعنا مما رزقنا الله شيئاً، ولنعلم أن ما يُصيبنا إنما هو بقضاء الله وقدره أولاً ثم بسبب ذنوبنا وتقصيرنا قال تعالى:{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}[الشورى30]. إذاً لماذا نقلق ولماذا نتشاءم والأرزاق والآجال كلها بيد الله جل وعلا ، مقدرة وكتوبة في اللوح المحفوظ ونحن في بطون أمهاتنا قال: صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدكم يجمع خلقُهُ في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكونُ علقةً مِثْلُ ذلك، ثم يكونُ مضغةً مثل ذلك، ثم يبعثُ الله ملكًا فينفخ فيه الروح فيؤمر بأربع كلمات، بكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد))[البخاري ومسلم].

هذه هي عقيدة المسلم التي ينبغي أن يعتقدها كل مسلم .

ثم إن هناك أمر آخر: وهو ما يتعلق بالسمع والطاعة لولاة أمرنا ؛ لأن ولاة أمرنا لم يصدروا هذه القرارات إلا للمصلحة العامة والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة ؛ فإذا رأى ولاة الأمر ومستشاريهم من كبار العلماء والسياسيين والاقتصاديين أن المصلحة العامة تستدعي ذلك ، فيجب علينا السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وأثرةٍ ولا يجوز لنا الاعتراض على ذلك فقد أمرنا الله عز وجل بالسمع والطاعة ونهانا عن الاختلاف والتفرق: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }[الأنفال46]{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[النور51]. فالواجب علينا التسليم لما كتبه وقدره وأراده والسمع الطاعة لولاة أمرنا عدم الخوض فيما لا يعنينا واليقين الجازم أن رزقنا بيد الله كما جاء في الحديث(( إِنَّ رِزْقَ اللَّهِ لا يَجُرُّهُ حِرْصُ حَرِيصٍ ، وَلا يَرُدُّهُ كَرَاهِيَةُ كَارِهٍ )). فلا داعي للتشاؤم ولا داعي للتحليل والتأويل ولا داعي للحديث عما يصدر من ولاة الأمر من قرارات تخدم المصلحة العامة سواءً ظهرت لنا تلك المصلحة أم لم تظهر فإن ولاة الأمر أعلم بالمصلحة العامة منا ولديهم مستشارين من كبار العلماء والسياسيين والاقتصاديين والمفكر ومراكز أبحاث لا يصدرون القرارات جُزافاً أو اعتباطاً وارتجالاً ، وإنما تصدر عن علمٍ وتروٍ ومعرفةٍ وتخطيطٍ سليمٍ إن شاء الله .

وثقتنا بالله ثم بولاة أمرنا كبيرة والأمل مقودٌ بعد الله عليهم فبارك الله في جهودهم وسدد رأيهم وأصلح بطانتهم .

عن أبو الفضل العباس بن فرج الرياشي قال: سمعتُ الأصمعي يقول: أقبلتُ ذات يوم من مسجد الجامع بالبصرة. فبينا أنا في بعض سككها، إذ طلع أعرابي جلف جاف، على قعودٍ له، متقلّد سيفه، وبيده قوس، فدنا وسلَّم، وقال لي: ممَّن الرجل؟ قلت: من بني الأصمع، قال: أنت الأصمعي؟ قلت: نعم. قال: ومن أين أقبلتَ؟ قلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن. قال: وللرحمن كلامٌ يتلوه الآدميون؟! قلت: نعم.
قال: اتلُ عليَّ شيئا منه. فقلتُ له: أنزل عن قَعودك. فنزل؛ وابتدأتُ بسورة الذاريات.
فلمّا انتهيتُ إلى قوله -تعالى-: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}[الذاريات:22]، قال: يا أصمعي! هذا كلام الرحمن؟ قلت: إي والذي بعثك بالحق إنه لكلامه، أنزله على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقال لي: حسبك.. ثم ولَّى مدبرا نحو البادية وهو يقول: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}.
فأقبلتُ على نفسي باللوم، وقلت: لم تنتبه إلى ما انتبه له الأعرابي.
فلمّا حججتُ مع الرشيد دخلتُ مكة، فبينا أنا أطوف بالكعبة، إذ هتف بي هاتفٌ بصوتٍ دقيق. فالتفتُ فإذا أنا بالأعرابي، فسلَّم عليَّ، وأخذ بيدي، وأجلسني من وراء المقام، وقال لي: اتلُ كلام الرحمن؛ فأخذتُ في سورة الذاريات. فلمّا انتهيت إلى قوله -تعالى-: {وفي السماء رزقكم وما توعدون}، صاح الأعرابي: وجدنا ما وعدنا ربُّنا حقًا.
ثم قال: وهل غير هذا؟ قلت: نعم، يقول الله -عز وجل- : {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} فصاح الأعرابي، وقال: سبحان الله، مَن الذي أغضب الجليل حتى حلف؟! ألم يصدِّقوه حتى ألجؤوه إلى اليمين؟! قالها ثلاثًا، وخرجت روحه.
هذا والله أسأل أن يجعل هذه الكليمات اليسيرة خالصة لوجهه الكريم نافعة لكاتبها وقارئها وكل من يطلع عليها من عباد الله والله من راء القصد وهو يهدي السبيل وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .  

كبته/ جبر البجالي

إمام وخطيب جامع وادي جليل بمكة